المخاوف ما زالت قائمة من تأثير سلبي واسع لأزمة انهيار البنوك على سوق الإقراض قصير الأجل
أحمد مصطفى صحافي متخصص في الشؤون الدولية
يؤثر الاضطراب في سوق السندات في النظام المالي العالمي كله (رويترز)
عاد التداول في سندات الدين الحكومي الأميركي “سندات الخزانة” إلى شبه استقرار في الأسابيع الأخيرة مما حفز الشركات والأعمال على العودة للاقتراض عبر إصدار سندات الدين والأوراق المالية. إلا أن المخاوف من تأثير أزمة القطاع المصرفي على سوق السندات والإقراض والاعتماد بشكل عام لم تنته بعد.
كان اقتراض الشركات شهد انكماشاً هائلاً في أعقاب انهيار “بنك وادي السيليكون” وغيره مطلع مارس (آذار) الماضي وذلك نتيجة ارتفاع العائد على سندات الخزينة، أي انخفاض سعرها، وبتحركات ذات هامش واسع ارتفاعاً وانخفاضاً. وكان نطاق تحرك نسبة العائد على سندات الخزانة قصيرة الأجل لمدة عامين اتسع في نهاية الأسبوع الأول من الشهر الماضي ليصل في المتوسط إلى 0.22 في المئة، وذلك حتى قرب نهاية الشهر حين قررت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على ودائع البنوك بيع البنك المنهار، مشيرة إلى أن تحرك العائد وصل إلى أعلى مستوى له منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
لكن منذ نهاية الشهر الماضي، أخذ نطاق الارتفاع والانخفاض في نسبة العائد يضيق، ليصل حالياً إلى 0.07 في المئة فقط بحسب بيانات شركة “تريد ويب”. أما نطاق تحرك العائد على سندات الخزانة متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات، والتي تعد المؤشر الأهم لسوق السندات، فضاق إلى 0.04 في المئة فقط، بعدما كان اتسع إلى 0.12 في المئة.
ويؤثر الاضطراب في سوق السندات بالنظام المالي العالمي كله. فالتذبذب الشديد بين الارتفاع والانخفاض يجعل من الصعب على الأسواق والمستثمرين تسعير الأصول بما فيها سندات دين الشركات، كما يخلص تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”. وفي وقت الاضطراب يكاد يتوقف اقتراض الشركات ما يعني جمود انسياب رأس المال الذي يغذي النشاط الاقتصادي.
اقتراض الشركات
في الأسبوع الأول الذي تلا انهيار بنك “وادي السيليكون”، لم تصدر الشركات سندات دين سوى بمبلغ 521 مليون دولار من خلال سندات عالية الجودة، بحسب بيانات شركة “ديلوجيك”. وذلك مقابل سندات من النوع نفسه بمقدار 31 مليار دولار في الأسبوع السابق، على رغم أنه من الناحية النظرية فإن ارتفاع العائد يعني انخفاض سعر سندات الخزانة وهو ما يشجع على الاقتراض لرخص كلفته.
اقرأ المزيد
- استمرار تدهور سوق السندات يفاقم مشكلة الديون العالمية
- انتعاش سوق السندات العالمية مع انحسار مخاوف التضخم
- انهيار مصرف وادي السيليكون هو الأسرع منذ انهيار “بارينغز”
وتفيد أرقام شركة “بتش بوك أل سي دي” إلى أنه في الأسابيع الثلاثة الأخيرة وصل حجم إصدار سندات الدين عالية الجودة من الشركات غير المالية أسبوعياً إلى 15 مليار دولار. ومن بين الشركات التي أصدرت سندات دين من المستوى الاستثماري “ماريوت إنترناشيونال” وشركة “باسيفيك غاز أند إليكتريك”. كما أصدرت شركات مثل “فورد موتور كريديت” و”كلاود سوفت وير غروب” سندات دين من مستوى أقل من الاستثماري بقيمة 8 مليارات دولار الأسبوع الماضي، وهو ثاني أعلى حجم إصدار أسبوعي منذ مطلع العام الماضي 2022.
ويخشى المديرون الماليون في الشركات من اصدار سندات دين في وقت تتذبذب فيه كلفة الاقتراض بشكل كبير وبهامش واسع، كما يقول مدير الاستثمار في شركة “لوب كابيتال أسيت مانجمنت” سكوت كيمبول. كما أن التقلب الكبير في نسبة العائد على سندات الخزانة يجعل شراء التأمين على السندات مقابل تقلبات أسعار الفائدة أكثر كلفة، وهو ما يوازي المنفعة من وراء نسبة العائد المنخفضة وربما يزيد.
في نهاية الأسبوع يوم الجمعة، ارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية بعدما أظهرت بيانات البنوك الكبرى تحقيق عائدات جيدة وجاءت أرقام مبيعات التجزئة للشهر الماضي مشجعة للمستثمرين. واستقر العائد على سندات الخزانة قصيرة الأجل لمدة عامين، التي تعد المؤشر الأقوى على توقعات تحرك سعر الفائدة عند نسبة 4.103 في المئة بنهاية تعاملات الأسبوع بحسب بيانات شركة “تريد ويب”. وذلك أقل بكثير من أعلى مستوى وصل إليه العائد في 15 عاماً حين ارتفع يوم 8 مارس (آذار) إلى نسبة 5.064 في المئة. أما العائد على سندات الخزانة متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات فأنهى التعاملات يوم الجمعة عند نسبة 3.521 في المئة، بعدما وصل بداية الشهر الماضي إلى نحو 4 في المئة.
ويعود الاستقرار في سوق السندات نسبياً أيضاً إلى توقعات الأسواق أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة (0.25 في المئة) في اجتماعه مطلع الشهر المقبل على أن تكون تلك المرة الأخيرة على الأرجح. وبذلك سيصل سعر الفائدة إلى نطاق 5 و 5.25 في المئة. وترجح الأسواق بنسبة توقع 79 في المئة أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة قبل نهاية العام الحالي.
مع ذلك، لا يمكن توقع استمرار التوازن في سوق السندات وضيق نطاق تحرك نسبة العائد، بخاصة وأن المخاوف من احتمالات الركود الاقتصادي في أميركا قبل نهاية العام تظل موجودة. ولا يمكن التكهن بما سيفعله الاحتياطي الفيدرالي إذا دخل الاقتصاد في ركود وما إذا كان سيلجأ إلى خفض قوي لسعر الفائدة لتنشيط الاقتصاد أم سيبقي على كلفة الاقتراض مرتفعة.