ثقافيه

“أوكسجين” حركة إبداعية شبابية مفتوحة على فضاء التجريب

سلسلة كتب ومطبوعات جديدة تحتفي بالأدب العربي المهمش

شريف الشافعي كاتب وصحافي  

من رسوم حركة “أوكسجين” ومطبوعاتها (صفحة الحركة – فيسبوك)

مثلما يوحي عنوانها، فإن “أوكسجين” التي انطلقت عام 2005 كمجلة ثقافية إلكترونية وتطوّرتْ أنشطتها وتوسّعتْ على مدار 18 عاماً، تسعى إلى إيجاد متنفّس جديد للإبداع، وإنعاش المشهد الثقافي العربي بمغامرات تحمل اشتعالات التمرد والتحرر والحيوية والتجدد الدائم وفق شعارها “أوكسجين.. مع كل نَفَسٍ بداية”. وبالنظر إلى حالة الحراك التي أحدثتها “أوكسجين”، ولا تزال تحدثها، بعد عشرات الإصدارات الرقمية والورقية، فمن الممكن اعتبارها حركة إبداعية ثقافية وتياراً له مرتكزاته العمومية وخصائصه وملامحه النوعية.

HXFKDY5s.jpg

“لولا فسحة الملعب” كتاب جديد (دار أوكسجين)

وحصيلة هذه الحركة، حتى الآن، قرابة 276 عدداً من أعداد المجلة الإلكترونية المتنوعة الأبواب والزوايا (شعر، قصة، تشكيل، سينما، فيديو…)، التي تصدر دوريّاً في الوقت الحالي بصفة نصف شهرية، ومجموعة من الكتب والإصدارات المنشورة للشعراء والمبدعين في ألوان الكتابة الإبداعية المختلفة. وصدر أخيراً كتابا “أوكسجين” ورقيّاً، عن “محترف أوكسجين للنشر”، إلى جانب الدور اللافت للمنصة في احتضان المبدعين الشباب تحت عنوان “كن أوكسجينيّاً”، بحيث نشرت المنصة مئات النماذج للكتّاب والفنانين الجدد في مجالات الأدب والترجمة والفيديو والصور والأعمال البصرية.

يرأس تحرير “أوكسجين” في نسختها الحالية، مؤسسها الشاعر والروائي زياد عبد الله، وتدير تحريرها سوسن سلامة، ويسترجع عبدالله تأسيسها في مقدمة كتاب أوكسجين الأول، بقوله “من كثافة في الأحلام مساوية لكثافة الواقع العربي الخانق بدأ البحث عن أوكسجين. من كثافة في الإيمان بالإبداع، وحرية الإبداع المساوية لكثافة الكفر بالسائد في المشهد الثقافي العربي بدأ البحث عن أوكسجين. ترعرعت أوكسجين في ظلال الأبراج الشاهقة وعلى قارعة الطرق السريعة وهدير مكيفات الهواء”.

thumbnail_5-أحوال الأمل- من إصدارات دفاتر أوكسجين.jpg

من الإصدارات  “أحوال الأمل” (دار أوكسجين)

 تآزرت أهداف “أوكسجين” الإبداعية والجمالية مع متطلبات الشارع العربي، الذي سعى بدوره إلى الانطلاق من الجمود، والفكاك من الأوضاع السيئة القائمة. ومن ثم، كما يوضح زياد عبد الله، فقد “بدا أن كل ما كان مسلَّماً به بحاجة إلى إعادة تعريف: الوطن والاحتلال والتسلط والاستبداد والعدو والصديق والدولة والانتماء.

ولعل المناخ العربي كله كان وقتذاك مثاليّاً لنشر الإبداع المغاير والتجريبي، وكما يؤكد زياد “فإن أدباً أو فناً لا يكون منفتحاً على التجريب لا معنى له، وغالباً هراءً بهراء. فمن يكرر نفسه في كل ما يؤلفه متبعاً قواعد مدرسية أو مستنسخاً هذا وذاك، فمن الأشرف له أن يكون كاتب عدل، بما يشبه أيضاً رسّاماً يبقى يكرر الأسلوب ذاته في لوحاته ويستنسخ هذا وذاك، فمن الأفضل أن يوصف بالحِرفي”.

مظلة عامة ورؤية خاصة

thumbnail_2-شعار أوكسجين.jpg

أحد الشعارات (دار أوكسجين)

تشتمل البيانات الافتتاحية لمجلة “أوكسجين” ومقدمات إصداراتها المتنوعة على ما يمكن تسميته “المظلة العامة” لفلسفتها وانزياحاتها كحركة إبداعية ثقافية. ومن تلك القواعد الأساسية للحركة أن القدرة على الحلم وبناء التطلّعات والامتثال للجسد والطفولة والبراءة تحتاج إلى جرعات كبيرة من المشيئة، وأن التفاعل الجمالي مع الواقع ينبني على أسس جديدة لنزوعٍ لا رادَّ له نحو الحرية، نحو الإبداع، نحو حرية الإبداع وإبداع الحرية.

وتنحاز أوكسجين إلى المفهوم الأشمل للتغيير “الذي يتأصل ويجابه جحافل العتمة التي خرجت من قمقمها مع أول إشراقة ضوء، في ظل انعدام بدائل متأصلة في وعينا الجمعي، لها أن تصمد في وجه القديم، القادر دائماً أمام الوهن الحالي للجديد، أن يولّد سرابه المضلل، ويسود. معبرنا الوحيد هو الإبداع، خلاصنا بالانتصار لقيمه، وأوكسجين ليست إلا مختبراً للمقترحات الجمالية الجديدة، ومساحة للّعب الخلاّق”.

thumbnail_1-زياد عبد الله.jpg

الشاعر والروائي زياد عبدالله (صفحة الكاتب – فيسبوك)

اقرأ المزيد

وبالتالي فإن انحياز أوكسجين للهامش، مثلما يوضح زياد عبد الله، لا يأتي فقط من كونها منصة لإسماع أصوات المهمّشين، واستخلاصاً للمهمّش وللمغيّب والحي في الواقع، بل هي أيضاً فضاء حيوي، يلفظ كل ما يسود ذلك المتن من تشوهات ورداءات. وإلى جانب مجابهة حركة النكوص التي تهيمن على مجتمعاتنا، فالتجريب في أوكسجين كان وما زال سعياً وراء الطموحات والأشكال الجديدة التي تجسد وتمثل الواقع المتغير الذي نعيشه، بالتوازي مع المخيلة بوصفها أساس العملية الإبداعية، والتي يسعى واقعنا العربي إلى إلحاق الهزيمة بها، جراء قدرته على تقديم صور لا متناهية من الخراب.

وللمفارقة، يقول زياد “إن ما كنت أعتبره كارثياً عام 2005، سنة تأسيس “أوكسجين”، أصبح لا شيء مقارنة بما نزل بنا من كوراث في هذا المنطقة، من دون أن يلغي ذلك أن المسببات واحدة، وماثلة في القمع والاستبداد والطائفية. وأدلل على ذلك من خلال كتابي “أوكسجين” 1 و2 اللذين صدرا أخيراً عن “محترف أوكسجين للنشر”، وقد كُتِبت نصوصهما بين عامي 2005 و2006، وعدد لا بأس منها نابع من هجائية لتلك المسببات وسخرية منها، فإذا هي حية جدّاً الآن، كما لو أنها كُتبت للتو، إذ لا شيء تغير، إلا أن الأوضاع تفاقمت أكثر”.

منظومة تحديات

ويستطرد زياد عبد الله في بلورة سمات الحركة وأهدافها المحورية، مشيراً إلى أنها حياة جنين اسمه “أوكسجين”، يبقى جنيناً، وهو يُخلق ويولد مراراً وتكراراً، فهي عملية خلق وولادة متواصلة: “لا يضعف أبداً إصرار “أوكسجين” على حرية الإبداع، وإبداع الحرية، وما إطلاق محترف “أوكسجين” للنشر والتوجه نحو نشر الكتب الورقية إلا أكبر دليل على ذلك. وبهذه الخطوة تنتقل ممارسات مجلة “أوكسجين” الإلكترونية إلى الكتاب وعالم النشر الورقي، وهنا التحدي أكبر، والتصادم مع المتن سالف الذكر أكبر وأخطر”.

ويسعى المحترف إلى اختبار مقترحات جديدة في النشر على صعيد الشكل والمضمون، وخضوع المخطوطات لتصويت لجنة القراءة، واتباع مبدأ التكليف، وإطلاق سلاسل من الإصدارات تلتقي على صعيد التوجه والتطلع، أو تتقاطع في مقارباتها على صعيد الاكتشاف وإعادة الاكتشاف في نواظم فكرية وتحريرية.

وعلى سبيل المثال، في هذا الصدد، فقد جرى إطلاق سلسلة “دفاتر أوكسجين” عبر دفترين هما “أحوال الأمل”، و”لولا فسحة الملعب”. وهذه السلسلة الإبداعية، وفق زياد عبد الله، تُعنى بتقديم سياق سردي حر للحياة العربية المعاصرة، يختبر طاقاتها وأحوالها، يحاورها ويستخلص منها جماليات لا تنفصل عن الواقع، وسرديات لا تكتفي فقط باتخاذ منظور مغاير عن الرسمي والمكرس والمتداول، بل تضيء أيضا على المعيش والهامشي والمغيب. وهي بذلك ورشة إبداعية متواصلة منفتحة على الأفكار وأنماط التعبير المختلفة، سواء عبر التأليف الجماعي أو الفردي. وصدرت عن محترف “أوكسجين” للنشر كتب إبداعية متنوعة، منها مثلاً ديوان “جيش من رجل واحد، للشاعر العُماني عبد الله الريامي، وديوان “سيرك الحب” للشاعر المغربي عبد الإله الصالحي.

وإن تعريف هذه السلسلة، كما يوضح زياد عبد الله “يضيء ملمحاً من ملامح توجهات أوكسجين في النشر، ولماذا سميت دار النشر (المحترف)، مع إدراكي أن الهامش مع الورقي يتوسع أكثر، وصراعه مع المتن أكبر، والاحتكاك به شديد. فهنا توجد سوق اسمها سوق النشر، معظم دور النشر فيها تسعى إلى ربح سريع، بدون مشروع ثقافي، فهي سوق أقصى طموح العاملين فيها نشر كتب تعليم الذات والترجمات والروايات التي ربما تحصد الجوائز!”.