قال مسؤولون ومصادر أمنية إن اشتباكات عنيفة بين العشائر وفراغا سياسيا يهددان المنشآت النفطية في المنطقة الرئيسية المنتجة للخام في جنوب العراق.
وحشد العراق، العضو بمنظمة أوبك، قواته الأمنية في شمال وغرب البلاد، في أكبر حملة منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003، لاسترداد أراض سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في 2014.
وخلق ذلك فراغا في الجنوب حيث توجد أكبر الحقول النفطية في البلاد، وحيث تفاقم قتال دائر بين عشائر شيعية متنافسة على الأراضي الزراعية وعقود البناء الحكومية وملكية الأراض في الأسابيع القليلة الماضية.
ويهدد تصاعد أعمال العنف بتقويض خطط الحكومة لجذب استثمارات جديدة في قطاع النفط والغاز تحتاجها لإحياء اقتصاد تضرر بفعل من زيادة الإنفاق الأمني والدمار الذي خلفه تنظيم الدولة الإسلامية.
وإحلال الاستقرار في البصرة، أكبر مدينة في جنوب العراق على الخليج، مهم جدا لها كمركز لتصدير النفط يدر أكثر من 95 بالمئة من إيرادات الحكومة.
وقال مسؤولون إن الاشتباكات العشائرية لم تؤثر حتى الآن على إنتاج النفط، لكن القتال بقذائف المورتر والبنادق الآلية اقترب مؤخرا من المرحلتين الأولى والثانية لحقل غرب القرنة النفطي الضخم وحقل مجنون العملاق شمالي البصرة.
وقال علي شداد رئيس لجنة النفط والغاز بمجلس محافظة البصرة ”النزاعات العشائرية أخذت في التفاقم مؤخرا ومثل هذا التطور السلبي قد يهدد نشاطات الشركات الأجنبية للطاقة“.
وقالت شركة نفط الجنوب التي تديرها الدولة إن أعمال العنف بدأت تخيف عمال النفط والمقاولين الأجانب الذين رفضوا في بعض الحالات تحريك منصات للحفر بسبب مخاوف أمنية.
وقال عبد الله الفارس مدير الإعلام لدى شركة نفط الجنوب ”النزاعات العشائرية قرب مواقع الحقول النفطية هي بالتأكيد تؤثر على عمليات الاستثمار في مجال الطاقة وترسل رسالة سلبية إلى شركات النفط الأجنبية“.
ونشرت الحكومة العراقية الآلاف من الجنود ورجال الشرطة في البصرة التي كانت مثل بقية منطقة الجنوب، التي تسكنها غالبية شيعية، تنعم بهدوء نسبي منذ عام 2003.
وحاولت القوات الأمنية نزع سلاح العشائر التي سيطرت على مخابئ كبيرة لأسلحة خفيفة وثقيلة من جيش صدام حسين أثناء الفوضى التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003.
لكن مسؤولين أمنيين قالوا إن القوات تعرضت لضغوط مع الإعداد لحملة أخرى ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الشمال لاستعادة مدينة الحويجة.
وسقطت الحويجة، التي تقع في مكان استراتيجي شرقي الطريق من بغداد إلى الموصل بالقرب من المنطقة النفطية في كركوك التي يسيطر عليها الأكراد، في قبضة تنظيم الدولة في 2014.
وقال صلاح كريم، وهو ضابط جيش برتبة مقدم خدم في لواء كان يتمركز في البصرة قبل أن يتحرك إلى الموصل “نحن بحاجة إلى المزيد من القوات للسيطرة على المناطق الريفية وضبط العشائر الخارجة عن القانون في الجنوب.
”هذه مهمة صعبة في الوقت الحاضر لأن معظم القوات منشغلة بمقاتلة داعش“ في إشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
تنحية مسؤولين كبار
تفاقمت التحديات الأمنية بفعل الفراغ السياسي الذي حدث في أعقاب تنحي مسؤولين محليين كبار بعد إتهامهم بالفساد.
واستقال ماجد النصراوي محافظ البصرة الشهر الماضي وسافر إلى إيران بعدما بدأت هيئة لمكافحة الفساد تحقيقات في اتهامات بحقه.
وفي يوليو تموز، ألقي القبض على صباح البزوني رئيس مجلس محافظة البصرة وأقيل من منصبه بعدما إتهمه جهاز رقابي بتلقى رشى وإساءة استخدام السلطة.
والفساد مبعث قلق رئيسي في العراق، لكن محللين يقولون إن الرجلين كانا ضحية صراع سياسي، مع استعداد الأحزاب من الأغلبية الشيعية في البلاد لخوض الانتخابات العامة في أبريل نيسان 2018. وينظر إلى البصرة على أنها الجائزة الكبرى بالنظر إلى ثروتها النفطية وإمكاناتها المتاحة للاستثمار.
والبزوني، الذي ينتمي إلى إئتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، على خلاف مع النصراوي الذي ينتمي إلى المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وهو حزب شيعي، حول إدارة المحافظة وترسية عقود الخدمات الأساسية وإعادة بناء البنية التحتية للبصرة.
وقال إثنان من السياسيين في البصرة طلبا عدم الكشف عن هويتهما إن الخلافات حول كيفية ترسية العقود الحكومية تصاعدت مع قيام كل حزب بنشر ملفات فساد لأحزاب أخرى منافسة.
وقال المحلل جاسم البهدلي، وهو خبير في الجماعات الشيعية المسلحة “بالنسبة لبعض الأحزاب السياسية فإن الحصول على موقع النفوذ الأكبر في البصرة هو هدف رئيسي لتوسيع نفوذ هذه الأحزاب.
”البصرة تشكل مثلث الثروة والسلطة والنفوذ“.
وقال مسؤولان لدى شركات نفطية أجنبية تعمل في الجنوب إن رحيل مسؤولين كبار أثار مخاوف من احتمال تفاقم النزاعات العشائرية.
وقال أحدهما ويعمل بشركة نفطية أجنبية في البصرة طالبا عدم الكشف عن هويته ”نحن نرغب برؤية وجود الحلول للتحديات الأمنية وذلك لتجنب العمل في بيئة صعبة“.