مقالات رئيس التحرير

الأسياد والعبيد

 ناجح صالح

لم يخل مجتمع من المجتمعات القديمة من الأسياد والعبيد ، وقد كانت تجارة العبيد مزدهرة في كل من أثينا وروما .

ولم يكن العبيد سوى مملوكين لأسيادهم كأية بضاعة تباع وتشترى .

وكانت مكة هي الأخرى تروج بها تجارة الرقيق ، وكان الأسياد يعاملون عبيدهم المعاملة السيئة القاسية ، فلما جاء الاسلام ساوى بين فئات المجتمع سواء كانوا أسيادا أم عبيدا .. كما أن الاسلام خفف من وطأة الرق وشجع على العتق والتحرر من العبودية .

وقد كانت لبلال منزلة كبيرة عند المسلمين ترقى الى جعله من الصحابة المقربين وهو العبد الحبشي ، وكذا الحال لصهيب الرومي وسلمان الفارسي .

لقد أزال الاسلام الفوارق مما أثار حفيظة قريش في بدء الدعوة الاسلامية ، وبذلك تتجلى عظمة الدين الجديد عند معتنقيه سواء كانوا أسيادا أو عبيدا .

ان الرق صفحة سوداء في تاريخ البشرية غير أن الحروب هي التي أفرزته ، فاذا وقعت المرأة الحرة في السبي تحولت الى مملوكة أو الى جارية بمعنى آخر ويتحول الرجل الحر الى عبد مملوك .

هكذا هي القوانين في تلك العهود لا مندوحة عنها في ظل أنظمة راسخة في التقاليد .

غير أن الذي يعنينا من الأمر هي تلك النظرة المتدنية الى العبيد طوال عشرات القرون ، اذ تجردت هذه النظرة الى العبد كونه انسانا فكان شأنه كشأن أي حيوان بعد أن غيبت جميع حقوقه .

فلما أحس الاسلام بالغبن الواقع عليه عامله المعاملة الحسنة وكرمه وساواه مع بقية البشر .

وبعد أن زال الرق نهائيا في العصر الحديث بانتفاء الحاجة اليه بعد تغير مجرى الحياة ، ظهر نوع آخر من الرق اختلف عنه اختلافا جوهريا ليس بالشكل الخارجي فحسب ولكن بالفوارق الطبقية التي فرضت نفسها على المجتمعات .

فالطبقة التي لها السلطة والامتيازات نصبت من رجالها أسيادا على من دونهم .فحينما نقول أن الحكام استعبدوا شعوبهم فمعنى ذلك أنهم أباحوا لهم الحق بأن يكون أبناء شعوبهم عبيدا لهم يخضعون لهم الخضوع المطلق دون أن ينالوا قسطا من الحرية ولا أن تكون لهم كلمة مسموعة .أليس هو الرق بعينه حينما يتسلط أصحاب السلطة والنفوذ على غيرهم من خلق الله ؟

ولعل خير مثال على من نقوله أننا كنا في وطننا هذا طوال عقود مضت عبيدا لحاكم مستبد فعل بنا أكثر مما فعله أسياد مكة بعبيدهم وقت الجاهلية لتفارقنا البسمة وتموت لدينا الرغبة على البقاء في الحياة ونحن نكتم أنفاسنا وتضيع صرخاتنا في أعماقنا وسط مظالم لا تعد ولا تحصى .أليس هذا هو الرق بأبشع صوره ؟ كيف اذن يكون الرق وعقولنا تستعبد قبل أجسادنا ؟

انها لدراما مفزعة حينما نذل رقابنا للطواغيت الجلادين ، وانها لمهزلة أيضا حينما توضع القيود الثقيلة على أفكارنا فلا نكون قادرين أن نبوح بكلمة حق واحدة أمام الطغاة .