مقالات

الألعاب الإلكترونية الخطرة لن تتوقف

 
كريم عبد السلام
 
 
بعد كارثة لعبة الحوت الأزرق اللعبة التى استولت على عقول الراهقين والأطفال عبر السوشيال ميديا ودفعتهم للقتل والانتحار، ظهرت لعبة Pubg التى جذبت الشباب، بالإضافة إلى المراهقين والأطفال وأغرقتهم فى معارك عنيفة وهمية عبر الموبايل، وأدمجتهم مع مجموعات مجهولة من بلدان أخرى فى العالم الأمر الذى ينذر بكوارث خطيرة، كما ظهرت لعبة مومو التى تثير نوازع الانتحار والقتل لدى الأطفال، الأمر الذى يستدعى مواجهة سريعة من الأسر ورقابة تربوية صارمة لحماية الأبناء.
 
 
زمان، يعنى منذ ثلاثين عاما أو أكثر، عندما كنا فى مرحلة التعليم الأساسى، كنا نسمع من معظم الأساتذة عبارة دالة وجميلة فى تفسير مسمى وزارة التربية والتعليم، أن التربية تأتى دائما قبل التعليم، وأن البيت هو المدرسة الأولى للطالب فإذا كانت هذه المدرسة الأولى جادة ومنضبطة أكملت المدرسة الثانية عملها بسلاسة وهدوء ونجاح، والعكس صحيح، أن المدرسة الثانية لا تستطيع عمل الشربات من الفسيخ، فإذا كان البيت مهملا فى تربية ورعاية ومتابعة الطلاب لن يستطيع المدرسون إنقاذهم من مصيرهم الذى نعرفه جميعا.
أتذكر هذه التفسيرات عن أسبقية التربية على التعليم، ونحن فى دوامة الأخبار والفتاوى والفزع العام من لعبة مومو أو الحوت الأزرق أو Pubg وغيرها من الألعاب الإلكترونية المؤذية التى تدفع الطلاب فى مرحلة التعليم الأساسى إلى الانتحار أو ارتكاب جرائم القتل، وبدلا من اللف والدوران وحالة الفزع العام واللجوء لدار الإفتاء أو مشيخة الأزهر لاستصدار فتوى تحرم هذه الألعاب، علينا أن نسأل أنفسنا، أين أولياء أمور الطلاب المنتحرين بهذه الألعاب؟ أين آباء وأمهات الأطفال الذين ارتكبوا جرائم القتل؟ ما طبيعة البيوت التى يعيشون فيها وهل ينعمون بأى درجة من درجات الترابط الأسرى؟
زمان أيام الألعاب غير الإلكترونية، كانت نسبة من الأطفال أيضا تقدم على الانتحار أو الهروب من البيوت أو ارتكاب الجرائم نتيجة التفكك الأسرى، وكان من لا ينجرف به تيار الجريمة يعانى من ضعف التحصيل الدراسى أو الأمراض النفسية ويتجه إلى التدخين والمخدرات وأصدقاء السوء، ولم يتغير شىء عما كان يحدث فى الماضى إلا وسيط الجريمة، فبحكم العصر وتطوره وسطوة التكنولوجيا، اكتشف أولادنا وسائط جديدة لتعذيب أنفسهم والانتقام من أهاليهم، من خلال هذه الألعاب المميتة والمؤذية، لكنها تظل مجرد وسائط بينما المرض الأصلى فى نقص التربية والمتابعة فى البيوت.
انتبهوا أيها السادة جيدا، وقبل أن تولولوا فزعا من مومو وPubg والحوت الأزرق والأخضر والأحمر وقبل أن تتصوروا الحل فى فتوى من دار الإفتاء أو من مشيخة الأزهر، نقول لكم، انظروا جيدا فى بيوتكم، وحاكموا أنفسكم عن تقصيركم فى حق أبنائكم، هل شغلتكم الأعمال والاهتمامات عن متابعة أولادكم؟ هل تركتم أولادكم نهبا لكل التيارات والآفات وتصورتم أنكم ما دمتم توفرون لهم النقود، فهم سعداء ومطمئنون وناجحون وأسوياء؟ هل تعتقدون أن المسافات الواسعة بينكم وبين الأبناء لا تمتلئ بالفخاخ والمخدرات والألعاب المميتة والاضطرابات النفسية؟
أيها الآباء والأمهات، اقتربوا من أولادكم، سواء كانوا أطفالا فى مراحل التعليم الأساسى أو حتى شبابا فى الجامعات، اقتربوا منهم وحاوروهم وتعرفوا على مشاكلهم واشتركوا معهم فى حلها، امنحوهم القوة والمساندة والدعم، وعلموهم أن الأخطاء ليست نهاية الدنيا، وأن تدارك الأمور وارد، صاحبوهم وافهموهم وحاولوا أن تتكلموا معهم بلغاتهم وشاركوهم اهتماماتهم وفى الطريق امنحوهم خبراتكم والدروس التى تعلمتوها فى الحياة.
صدقونى، إذا اقتربتم من أبنائكم وحاورتموهم وصادقتموهم، فلن يجرؤ مومو أو الحوت الأزرق أو أى حوت آخر فى أى لعبة موجهة أخرى على الاقتراب منهم، وإلا فلا تلوموا إلا أنفسكم.