عبد الفتاح طوقان
خان التعبير مستشار وصف الشعب الاردني بالغنم والماعز على شاشة تلفزيون حكومية تابعة للدولة الاردنية وتخضع لرقابتها دون ان تنبت الحكومة بشفة او تعتذر عما جاء في المقابلة أو تأخذ موقفا.
مستشار ولواء سابق في القوات المسلحة المعروفة بذكآء منتسبيها ودقتهم وحرصهم عل انتقاء الاقوال والافعال ومهارتهم المتقدة، تم التعريف به في بداية البرنامج واللقاء انه “سياسي واقتصادي وعسكري ومقرب من القصر ومستشار لحاكم البلاد”، فكان اول الغيث قطرة سم، حيث وصف الشعب الاردني وصفا لا يليق واعتبر الحاكم بمرتبة راعي الغنم، ( حسبما ورد في اللقاء)، وهو وصف – عفوي صدر منه بلا شك – عثرة لا تغتفر لمن هو في موقع المسؤولية في قمة الهرم، وأن كان حديثه حسب علمه ومؤهلاته وخلفيته لكنه يفتح الباب واسعا امام سؤال كبير نضعه امام الملك عبد الله الثاني :” كيف يتم اختيار المستشاريين وكبار الحاشية ممن هم حولك؟”.
هل كل المستشارين مؤهلاتهم من بلغاريا اومن الصومال؟، جل تفكيرهم ان الشعب “لحما طريا”، وهل نحتاج الي فتوي شرعية لتحديد اسس اختيار المستشارين والوزراء من ضمنها: ”ما حكم المستشار المستورد من بلغاريا والصومال؟ ام الافضل البرجر الامريكي؟“.
ان تلك الفئة، وليس هو بحد ذاته المعروف باخلاقياته ومحدودية ثقافته الاعلامية ومخاطبة الجماهير، ولكن كثيرين فيمن في نفس المرتبة يسيئون لحاكم والقصر قبل الشعب، فأن قبل الشعب الاساءة له على مضض لاسباب معروفة وغفرها فأنه لا يغفر تلك الاساءة لقائد احبه شعبه وافتداه. واذا سمح لمن هو من البطانة الداخلية الحامية للقائد من برد وعواصف الاتهام والتشبيهات غير اللائقة وبمثل تلك السخافة واطالة اللسان على الشعب الاردني، فماذا يفعل عندها المتربصون والمآجورين بالقائد وهم كثر؟
عموما اعود الي الاغنام، رعي الأغنام هي مهنة يتناوب عليها من يعتني بقطيع الاغنام، ويقصد بالقطيع من شياه وخراف وجديان وماعز وتيوس. ولكن من غير المقبول ان يكون مصطلح ألاغنام لغة دارجة بين مستشاري القصور وتستخدم للدلالة على الشعب فآن ابسط مفاهيمها وعلى شاشة تلفزيون هي “زلة لا حدود لها” تستدعي المسائلة.
والادهي ان يتم ذلك بوجود مذيعة متمرسة ذات خبرات طيبة ولها سنوات على الشاشة، ولكنها لم تقاطعه اوتصححه – وعلى الهواء – دون ان يلتفت الي ذلك ايضا المخرج او مراقبة الاستوديو والبث، ولم تحدث مداخله بل استمر الحديث وتكرر الوصف بتوافق في استوديو“ الهواء المباشر”، انه لامر يستحق التحقيق.
وهذا موقف اخر من مواقف ضعف حكومة الملقي الاعلامية وعدم اهتمامها بما يظهر على الشاشة، وهو موقف يستحق اقالة عديد من المسؤولين بتهمة التقصير والاهمال.
اما اذا كان الموضوع سجل مسبقا فآن هنا تكون المصيبة.
لقد كان وزير الاعلام الاسبق عدنان ابو عودة عينه واذانه على الشاشة خصوصا في برامج البث المباشر ووقت نشرات الاخبار، ولقد طرد يوما مذيعا، فور ان انهي النشرة بسبب أن قراءة اسم مدينة خطاء في نشرة علما ان النشرة تآتي للمذيع مكتوبة.
بينما وزير الاعلام الاسبق الدكتور سمير مطاوع كنا نراه يسير في ردهات التلفزيون يراجع ويدقق ويحفظ النشرة غيبا بعد ان يتأكد من كل حرف، فماذا يفعل وزير اعلام الحكومة؟
هذا ايضا ضعف اخر في الجسد الحكومي المترهل يحتاج الي مراجعة، ولا اذيع سرا، ان في وقت بث خبرا هاما يتعلق بالامن الوطني سابقا، كان يقف خلف الزجاج مدير المخابرات الفريق سميح البطيخي ومعه مدير التلفزيون الوزير لاحقا ناصر جوده ليري البث دون التدخل في المادة. وكان “البطيخي” يثق ثقة مطلقة في كل من على الهواء مباشرة حيث لا مجال لاخطاء ولو واحد في الالف، وكان يثق ويستمع الي “مقدمي الهواء” ولم يقم يوما بتوجيه احد فقد كان الجميع على مستوي المسؤولية، لا تدخل في المادة بتاتا بقدر ما هو احساس بمسؤولية الحدث وتحمل نتائج الموقف.
انها امثلة من الحفاظ على صورة الشاشة التي انهارات واهترأت واصبحت العوبة في يد من يعرف ومن لا يعرف.
“الهواء” له مقاييس وحسابات ويحتاج الي فصاحة وذكاء وسرعه بديهه وملاحقة وتدارك للموقف ومتابعة للحدث والحديث وان يكون مذيع الهواء اكثر الماما واكثر قراءة من الضيف في كل موضوع يتناوله وليس استعراض ملابس وشعر ومكياج وغنج على الشاشة، ومجاملة للضيف، للهواء اصول يجب ان تتبع بدون اي تهاون.
واعود الي راعي الاغنام الذي تحدث عنه المستشار والذي قال ان الحاكم يختار للقطيع اطيب المراعي واوفرها ومكان شرب الماء، ولكنه تناسي ان التشبيه خاطيء لان راعي الاغنام يقوم بذلك بغرض الافادة من لحومها والبانها ومن ثم بيعها وذبحها اضاحي. ويطلق على تلك المهنة راعي اغنام او“سارح غنم”.
وبدون ادني شك الشعب ليس غنما والقائد ليس راعيا لاغنام ولن يقبل القائد الحر بذبح شعبه، ولا بيع شعبه، ولا التضحية به، لذلك اتت المفارقة وعدم التتطابق في المثل الذي صدر عن المستشار.
ومن صفات راعي الغنم، انه لا يسكن القصور ولا يعيش في المكيفات ولا يركب طائرات ولا يحرسه احد، بل على العكس تماما، هو وحيد بمفرده في الاغلب ولا يجد إلا حر الصحراء وخشونة الطعام وشظف العيش، وهذه الظروف تتطلب من الراعي تحمل هذه الظروف القاسية ويألفها ويصبر نفسه عليها، والتواضع خلق تقتضيه طبيعة تربية الغنم ؛ فالراعي يعود نفسه على خدمة الغنم ويشرف على ولادتها وينام بجوارها، وقد يصيبه من روثها أوبولها شيء ومع هذا لا يتضجر من ذلك بحكم المداومة والاستمرار في رعايتها.
وهنا ايضا، دليلا اخرا على خطآء التشبيه، فأين العسكرية وادبيات الدبلوماسية في الحديث؟، فهل الحاكم وحيد؟ هل يعيش في الصحراء؟
المفترض ان “لا ملك بلا شعب ولا شعب بلا ملك”، وليس غنم وابقار وماعز.
لقد اضحت الحكومات والمستشارين عالة على الوطن بسبب سؤ الاختيارات وباتت الحكومات الضعيفة التي ابتلي الشعب بها كابوسا على الوطن والشعب، حكومات “القلة” لا بد ان ترحل، كفي استهزأءا بالشعب والوطن.
يآسف الشعب ان بعض المستشاريين وحتي بعض من الحكومات الضالة يرون الشعب ويعاملونه “كالقطيع من البهائم والماعز” لذا تراهم أي “المستشارين رؤساء الحكومات “ يطلبون من الحاكم عدم الاقتراب من القطيع (وهو ما اطلق على الشعب ضمنا في المقابلة)، بينما في الحقيقة من المفترض “عدم ترك الكلاب بدون قيود” .
طاعون المستشارون وكل من الوزراء البلدي والشامي والبلغاري والصومالي اللذين يحملون فكر” سارح الغنم” ويعتقدون انهم مصطفون والشعب يعيش في حظائرهم يثملون خطرا على الحكام والوطن والشعب، لانهم يضعون الدولة في ازمة “عشبية“ من منظورهم، وهووصف غير مقبول عن الشعب ولا عن ملك البلاد.