مقالات

أسعد تلحمي

 
نتانياهو ينظر إلى ما بعد القدس
 
يشعر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أنه يقف على سطح العالم، مبتسماً متباهياً نافشاً ريشه فيما الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونائبه مايك بِنس ملاكان يحرسانه من أي سوء أو عسر في التنفس. كيف لا، وهو يعيش أفضل فتراته وفي وسعه أن يعتبر الشهرين الأخيرين «الجوهرة في تاج حكمه» الممتد على تسع سنوات متتالية في غياب من يهدد عرشه.
 
ولم يكن خطاب بِنس في الكنيست سوى ختمِ رسمي للتصديق على سياسة نتانياهو المتشددة بل يمكن اعتباره تشجيعاً لنتانياهو وحكومته على انتهاج سياسة أشد تصلباً مثل ضم الضفة الغربية. كان خطاباً صهيونياً بامتياز، كما قال أحد وزراء «ليكود» بلا تردد، صريحاً في انحياز أميركي تام ومطبق لإسرائيل، بلا مواربة، أو بيان يصدر عن الخارجية الأميركية يحاول تلطيف حدة الكلام أو الادعاء بأن الكلام أُخرِج من سياقه.
 
قبل أكثر من عشر سنوات، وصف معلقون إسرائيليون الرئيس جورج بوش الابن بأنه «ليكودي أكثر من الليكوديين» في إشارة إلى دعمه المطلق لسياسة رئيس الحكومة في حينه أريئل شارون. وقبل بوش، اعتبر الإسرائيليون الرئيس دونالد ريغان أعز صديق لإسرائيل جلس في البيت الأبيض. ومنذ سبعة عقود تحفظ إسرائيل «مودةً خاصة» للرئيس هاري ترومان على أنه أول زعيم عالمي اعترف بإقامة الدولة العبرية غداة الإعلان عنها.
 
لكن دونالد ترامب بات في نظر الإسرائيليين الصديق الصدوق. وقد علّق مقدم برنامج إخباري في الإذاعة العبرية على خطاب الرئيس ترامب في دافوس وطمأنته لنتانياهو بأنه أزال قضية القدس عن طاولة المفاوضات بالقول إنه يشكك في ما إذا كان نتانياهو نفسه قادراً على كتابة خطاب ناجح كهذا للرئيس ترامب.
 
يحمل ترامب سوط الدولار الأميركي ليلوّح به في وجه الفلسطينيين والأمم المتحدة ومؤسساتها، منتهجاً سياسة مغايرة لأسلافه: لا تدخّل أميركياً أو رعاية مكلفة مالياً، من دون الطاعة العمياء للولايات المتحدة من جانب المدعوم. كأنه يقول: صولة الغني بماله لا بجاهه، ومن يُدفع له عليه أن يطيع كلام أميركا ويحترمها أو «يصون كرامتها».
 
حصل نتانياهو على ما أراد وأكثر من دون أن يقوم بأي جهد ديبلوماسي، حتى من دون أن يكون في حكومته وزير خارجية متفرغ. يكفيه المستشارون اليهود أو التبشيريون من الكنيسة الإنجيلية الداعمة للصهيونية المحيطون بالرئيس ترامب ليقوموا بالمهمة. وقد قاموا بها على أحسن وجه ومنحوا نتانياهو هدوءاً سياسياً داخلياً لا تشوبه سوى تحقيقات الشرطة معه في شبهات فساد إداري ومالي. وهكذا تبددت الصور السوداوية التي رسمها خصوم نتانياهو بتحذيراتهم المتكررة من «تسونامي سياسي» دولي يفاقم عزلة إسرائيل السياسية بسبب الجمود المتواصل في الملف الفلسطيني.
 
لم يزِل الرئيس ترامب القضية الفلسطينية وحدها عن طاولة المفاوضات بل كسر الطاولة كلها، وهو الذي يدرك لكنه لا يأبه، بأنه لا يمكن لأي مفاوض فلسطيني أن يشارك في مفاوضات تستثني القدس منها. يهدد ترامب السلطة الفلسطينية و «الأنروا» باقتطاع أموال الدعم عنها، فيما المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تعرب عن خشيتها من انعكاسات خطوة كهذه على أمن المواطنين الإسرائيليين، وعلى استفحال الجوع في القطاع.
 
تشعر إسرائيل ان هذه فرصتها السانحة لتفعل ما تشاء، ومع الأكل تأتي الشهية، فتدرس بجدية تشريع قوانين جديدة تضفي الشرعية على احتلالها مثل قانون ضم مستوطنات الضفة الغربية، أو إعلان وزراء صراحةً أنه لا مشكلة في دولة واحدة يكون فيها الفلسطينيون مجرد مقيمين من دون حقوق في الانتخاب والترشح. ولماذا عليهم أن يخشوا ذلك طالما أن الفيتو الأميركي على أية إدانة دولية لقوانين كهذه جاهز في درج نيكي هايلي.
 
أما الفلسطيني فيشعر بأنه عاجز عن فعل شيء، سوى رد الفعل. لا مبادرة تلوح في الأفق. حتى المصالحة الداخلية متعثرة، وإن لاحت مبادرة كهذه فلن تجد من يدعمها إذا لم تعطِها إسرائيل الضوء الأخضر. وحيال هذا الدعم، ليس غريباً أن يشعر نتانياهو بجنون العظمة، كما اتهمه القطب في حزبه رئيس الكنيست يولي أدلشتاين، ويتصرف داخل إسرائيل كالحاكم بأمره، يحارب المعارضة ويتهجم على وسائل الإعلام ولا يرى أمامه من يجرؤ على منافسته زعيماً أوحد لإسرائيل.