الاردن: الإصلاح من القاعدة أم من القمة؟

1

 
موسى العدوان
في كثير من الأحيان يلومني بعض الأصدقاء، بأنني أوجه النقد في كتاباتي عن الإصلاح، إلى المسؤولين في قمة الهرم، بينما يرون أن عليّ توجيه اللوم إلى القاعدة ممثلة بالشعب، فهم حسب رأي اللائمين من يجب إصلاح أنفسهم أولا، وبعدها يَصلُح المسؤولين تلقائيا وتتقدم البلاد. يحتدم الحوار بيننا في غالب الأحيان وكل يتمسك بوجهة نظره، إلى أن نصل أخيرا إلى ما يشبه حوار الدجاجة أم البيضة.
وهنا أرغب أن أشرح وجهة نظري من ناحية اقتصادية فقط، اعتمادا على تجارب الدول الأخرى، علنا نصل إلى نتيجة مقنعة لغالبية المهتمين بهذا الموضوع. فقد كنت وما زلت أرى بأن من يحتل مركز المسؤولية في دول العالم الثالث، هو المسؤول الأول عن عملية إصلاح الشعب وتقدمه في جميع المجالات، معتمدا على المفاهيم التالية :
أن الشعب يحتاج إلى قائد يضع له الخطط الإستراتيجية، التي تحدد الأهداف الوطنية التي يجب الوصول إليها اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وأمنيا وخلافها.
ولتنفيذ تلك الاستراتيجيات لابد من وجود قوانين وأنظمة تضبط حركة المجتمع، وتفرض على الجميع تطبيق تلك القوانين، مدعومة بالثواب والعقاب.
يصعب توحيد جهود الشعب كجماعات وأفراد من تلقاء أنفسهم، وتوجيهها نحو أهداف وطنية محددة من تلقاء أنفسهم، بل قد تكون جهودهم متضاربة ولا تحقق الأهداف المطلوبة.
لابد لأي مجموعة من الأفراد صغر أو كبر حجمها، من قائد يصهر جهودها في بوتقة واحدة، ويوجهها إلى الأهداف المحددة. فحالهم كحال السفينة التي يوجه القبطان حركتها نحو المرفأ المقصود، وبغيابه ستبقى السفينة عائمة فوق سطح البحر، تتقاذفها الرياح في مختلف الاتجاهات بلا هدف.
ولكي أدلل على صحة قناعتي، دعونا نستعرض تجارب بعض الدول، التي حققت الإصلاح والنهضة لشعوبها، لنعرف من كان السبب في ذلك ؟ هل هو الشعب الذي قاد الإصلاح بصورة تلقائية، أم القادة الوطنيون الذين وضعوا الخطط، ووجهوا الشعب لتحقيق أهدافه ؟ وعليه سأستعرض باختصار تجارب أربعة دول آسيوية ودولة إفريقية واحدة وكما يلي :
ماليزيا : تولى مهاتير محمد رئاسة الوزراء عام 1981، وكانت البلاد تعاني من التخلف والفقر، وتعتمد على تصدير المطاط والسلع البسيطة. فرسم مهاتير من خلال رؤيته الثاقبة وحكمته الراسخة خريطة طريق لمستقبل ماليزيا، حدد فيها الأولويات والأهداف والنتائج التي يجب الوصول إليها، خلال عشر سنوات ثم لعشرين سنة قادمة. واستطاع أن ينهض بها تنمويا ويقلّص حجم البطالة ويغير وجه ماليزيا المألوف. وبذلك رفع مستوى دخل الفرد من 300 دولار إلى 5000 دولار سنويا. كما استهدفت خطته الاقتصادية الشاملة، تحويل ماليزيا في عام 2020 إلى دولة صناعية متقدمة.
كوريا الجنوبية : استولى ( الجنرال بارك شينج هي ) على السلطة عام 1961 وامتد حكمه لمدة 18 عاما، حيث أطلق حملة شاملة للتنمية الاقتصادية، تحت شعار ( تحديث كوريا ) التي كانت من أكثر المجتمعات الزراعية فقرا وتخلفا. وكانت خطته الإستراتيجية للنهوض باقتصاد البلاد، تعتمد على ستة محاور رئيسية هي : التركيز على الصناعات الهامة، بناء القدرات، التحفيز، إصلاح النظام التعليمي، توحيد الهدف، ومكافحة الفساد.
ومن أجل إنجاز الأعمال المطلوبة من قبل المواطنين، فقد تم تركيب سماعات قوية في كل قرية ومدينة، يؤدي النفخ فيها عند الساعة الخامسة صباحا لإيقاظ النيام. فيذهب الفلاح إلى حقله والعامل إلى مصنعه والموظف إلى وظيفته والتلميذ إلى مدرسته. وهكذا تحول المواطنون من حالة الكسل والتسيب والفقر ولعب لقمار، إلى عمال وطنيين يسعون لإتقان العمل والاجتهاد في خدمة الوطن والأمة. ونتيجة لهذه الخطة الجريئة، فقد ارتفع معدل دخل الفرد الكوري خلال تلك الفترة، من 78 دولارا إلى 4300 دولار سنويا.
اليــابــان : ضُربت اليابان في عام 1945 بالقنابل الذرية الأمريكية، وفقد الناس الأمل بقدرتها على الوقوف على قدميها، نظرا لما حل بها من خراب ودمار. ولكن رئيس وزرائها “هاياتو أكيدا ” وضع خطة اقتصادية نهضت بالبلاد من تحت الركام، وارتكزت على ثلاثة محاور هي : الإدارة اليابانية الحديثة، الشخصية اليابانية واعتبارها ركيزة التنمية، والمعلم الياباني باعتبار العلم والعمل الجاد أساس الرقي والتقدم. قُدّر الناتج المحلي لليابان عام 1965 بحوالي 91 مليار دولار أمريكي، ولكنه قفز في عام 1980 إلى رقم قياسي بلغ 1,065 تريليون دولار أمريكي.
سنغافورة : قصة نجاح هذه الجزيرة في التحول من دولة متخلفة، إلى دولة المتقدمة خلال فترة قصيرة، غريبة تستحق التأمل والدراسة. ويرتبط نجاحها بصانع نهضتها رئيس الوزراء ” لي كوان يو”. فقد فاز حزبه في الانتخابات عام 1959 واستمر بالحكم لمدة 31 عاما.
اعتمد الرئيس يو في صنع معجزة بلاده الاقتصادية على ( بناء الإنسان ) وأكد بأن العلم هو السبيل لنهوض الدول. فارتكزت إصلاحاته على ثلاثة محاور هي : التعليم، التوظيف، وتحديد النسل. وعليه فقد أمر الناس بالعلم والعمل لا بالإصغاء إلى الإذاعة، ومنع الناس من التجمع إلا للصلاة، وأغلق السجون ليفتح بدلا منها المدارس، وحارب الفقر والبطالة، وجعل لكل مواطن بيتا يسكن فيه بدلا من أكواخ الصفيح، وحولها إلى دولة صناعية ارتفع معدل دخل الفرد السنوي فيها من 1,000 دولار أمريكي إلى 30,000 دولار أمريكي في بداية الألفية الثالثة.
تنزانيا : وهي دولة إفريقية سارت على نهج دول جنوب شرق آسيا، بعد أن كانت غارقة في الفساد والتخلف والفقر. ففي عام 2015 انُتخب ( جون ماغوفولي ) رئيسا للجمهورية. وعند توليه الحكم، قام بإجراءات حازمة للقضاء على الفساد الذي أعاق تقدم البلاد منها : إقالة المسؤولين المتورطين بالفساد، تخفيض عدد الوزراء في الحكومة من 30 إلى 19 وزيرا، منع سفر المسؤولين للخارج إلا بإذن منه، بيع جميع عربات الدفع الرباعي الرسمية وتعويضها
بسيارات صغيرة الحجم، إلغاء الاحتفالات المكلفة للدولة، القيام بزيارات مفاجئة لمختلف مؤسسات الدولة وإحالة المقصرين إلى المحكمة. وهكذا تحولت تنزانيا من دولة متخلفة إلى دولة عصرية متقدمة.
هذه النماذج لبعض الدول التي نهضت من التخلف، وأصبحت في طليعة الدول المتقدمة، تشير بأن القادة في قمة الهرم، هم من قادوا شعوبهم وحققوا تلك الإنجازات الوطنية العظيمة، على ضوء استراتيجيات عملية وفاعلة صنعت النهضة في دولهم، ولم تكن الشعوب في القاعدة إلاّ وسيلة جرى توجيهها لتحقيق النجاح المطلوب.
أما في حالتنا الأردنية، فإننا نسمع ونقرأ بين حين وآخر، عن خطط اقتصادية متلاحقة وأحيانا متداخلة، منها خطة التحول الاقتصادي وتحويل الرمال ذهبا، إلى خطة السنوات الخمس، إلى خطة السنوات العشر، إلى الشراكة الاستثمارية بين الأردن والسعودية، وأخيرا خطة التحفيز الاقتصادي الجديدة. وكانت نتائج الخطط السابقة جميعها تحت الصفر، وأعتقد أن الخطط الموعودة ستكون على نفس الطريق.
ومن الملاحظ أن الدول التي كانت في منتصف القرن الماضي أكثر تخلفا من الأردن، قد تجاوزتنا فيما بعد بنهضتها الاقتصادية، وانضمت إلى الدول الصناعية المتقدمة رغم افتقارها لمصادر الثروة. بينما نحن في الأردن – ومع الأسف الشديد – رحنا نتراجع من سيء إلى أسوأ خلال العقدين الأخيرين، بفعل جهابذة الاقتصاد، الذين يتصدرون المشهد على الساحة الرسمية.

التعليقات معطلة.