مقالات

الامازيغية في الجزائر: أين أهل الحلم والاعتدال؟

لمباركية نوّار
إلى متى تظل قضية “الأمازيغية” في الجزائر كالعلة المزمنة التي تثور، بين الفينة والأخرى، ويضطرم لهيبها. وكلما بعثت هذه القضية من مرقدها إلى واجهة الأحداث إلا وسبقتها ورافقتها ولحقتها سجالات من التراشق الكلامي غير الموزون يصل، أحيانا، إلى التنابز والتقاذف بالأقوال بين الطرف المناصر المتشدد والطرف الذي يقف منها موقفا رافضا وملغيا. والغريب أن بعض من ينساقون وراء هذه السجالات المحمومة هم من أهل النخبة ورجالات الفكر والرأي.
أرى من وجهة نظري أن قضية “الأمازيغية” هي قضية وطنية مشتركة بين كل الجزائريين. ولذا لا يجوز إبقاؤها محصورة جغرافيا، وربطها بفصيل سكاني يقطن منطقة الزواوة. وأنا استعمل مصطلح: “الزواوة” كبديل وليس كمرادف للمصطلح الساري: “القبائل”؛ لأنه هو الأنسب والأسلم. والتراث المادي وغير المادي الذي تزخر به وتختزنه الأمازيغية هو تراث يصنع التنوع الثمين الذي نحسد عليه لو أحسنا استغلاله. ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، اختزال هذا التراث بثرائه وخصوبته في اللغة الأمازيغية وحدها. ومن يتجرأ على فعل ذلك فإنه يقلل من عظمة شأنه.
يوجد في منطقة الزواوة الكريمة فئة قليلة من “المتطرفين” الذين يقفون في خندق التعصب للقضية الأمازيغية، ويحملون في رؤاهم ومنطلقاتهم الفكرية شرا مستطيرا للجزائر من حيث يدرون ومن حيث لا يدرون. وهناك أقلية من هؤلاء من ترتبط حبالهم السرية بدوائر معروفة لا تحب الخير للجزائر، ولا تتمنى أن تراها تهنأ في كنف الهدوء وفي حضن السكينة. وفي مقابل ذلك، وُجد ويوجد في هذه المنطقة الطيبة وطنيون كُثر خدموا بلدهم الجزائر بتفان وإخلاص في أوقات الشدة وفي أزمنة الرخاء، وأخلصوا لها في البذل والعطاء. فمن يتجرأ على الاستنقاص والإساءة إلى هؤلاء الذين لو تفتح قائمة لجرد أسمائهم لن تغلق؟.
الأمازيغية هي ثالثة الأثافي التي تحفظ توازن الجزائر، وتمنعها من فقدان توازنها مع رديفيها الإسلام والعربية. وهي مكوّن من مكوّنات الشخصية الوطنية وعنصر أساس مشكل لهويتها بقوة الدستور. إذن، فهي المركب “الكيميائي” الثالث الذي يصنع إسمنت الوحدة الوطنية الذي يشد ويرص بنيان وطننا المشيد عبر العصور. وإن زعزعة هذا المركب يؤدي إلى تصدع لبنات هذا البنيان وانقضاضه وانهياره. وإذا وقع سقف هذا البنيان، لا قدّر الله، فسوف يسقط على رؤوس كل الجزائريين بلا اسثناء.
ماذا يضير الجزائريين جميعهم لو جعلوا من قضية الأمازيغية من بين أمهات قضاياهم التي يجتمعون عليها، ويناقشون أحسن السبل لترقيتها مناقشة علمية تستبعد العواطف، وتلقي بالخلفيات العليلة والأحكام المسبقة بعيدا من أجل وحدة الجزائر في إطار التنوّع الذي لا يرتاح للاقصاء والإبعاد والتهميش، ويصنع أجواء التحابب والتقارب، ويكسر دابر الفتن.
حينما تصبح الأمازيغية واحدة من أمهات قضايانا الوطنية المشتركة سيسحب بساط المتاجرة بها من تحت أقدام المتعنتين المتشددين.
علّمنا التاريخ أن كل القضايا التي ترمى إلى الشارع تزداد تعقيدا واستغلاقا، وتصبح ككومة الخيط التي يضيع رأسها؛ لأنها تقابل بمحاولات رثة لعلاجها لا تستحضر المناهج العلمية التي تحميها من الإنحراف والتشويه. وحينئذ، تصبح كالوباء المعدي الذي لا يرحم في إصابة من يقترب من دائرة انتشاره. وعندما تمسي قضية الأمازيغية سببا في غلق أبواب المؤسسات التعليمية وخروج المتعلمين إلى الشوارع في بعض المدن فمعنى ذلك أن جزءا من الوطن أصبح يتنفس بصعوبة.
لا تجد القضايا الوطنية الكبرى طريقها إلى الحل إلا إذا ساد وعي مكتمل مؤسس على الثقة وحسن التفهم. وأما مقاربتها المتكررة بالسير في نفس الممر، فإنه يؤجلها، ولكن لا ينهيها.