اقتصادي

التدهور الائتماني يرسم خريطة العام 2024

AFP/ وول ستريت بولاية نيويورك الأميركية

زين العابدين محمد 

قفز تخلف الشركات العالمية عن سداد أقساط مديونياتها قفزاً مقلقاً، بعد زيادة بلغت 400 في المئة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، مقارنة بشهر تشرين الثاني (نوفمبر) السابق عليه، إذ بلغ عدد الشركات العالمية المتخلفة 20 شركة مقارنة بـ4 فقط في الشهر السابق، ليرتفع بذلك عدد الشركات المتخلفة في مجمل عام 2023 إلى 159 شركة، بعدما تلاحقت الفترة الطويلة من تكاليف التمويل الحادة، وفقاً لتقرير حديث لوكالة التصنيف “موديز”.

وفقاً للتقرير، ارتفع معدل التخلف عن السداد للشركات العالمية خلال مدة 12 شهراً إلى 4.8 في المئة بحلول كانون الأول، وهو أعلى معدل منذ حزيران (مايو) 2021، وهي الفترة التي شهدت حالات إفلاس مرتبطة بالتداعيات الاقتصادية لجائحة وباء كورونا.

التخلف الأعلى منذ الأزمة المالية العالمية

وتوضح موديز أن أكثر من نصف حالات التخلف عن السداد في كانون الأول، تتعلق بشركات مقرها الولايات المتحدة، وثماني شركات أخرى في أوروبا، لتسجل بذلك أعلى رقم بالمنطقة منذ الأزمة المالية العالمية قبل 15 عاماً، باستثناء فشل الشركات المرتبطة بالحرب والعقوبات في روسيا وأوكرانيا، إذ تؤكد أحدث حصيلة للتخلف عن السداد حجم التحديات التي لا تزال تواجه المقترضين ذوي التصنيف المنخفض في جميع أنحاء العالم، بعد ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ممّا يقرب من الصفر قبل عامين إلى أكثر من 5 في المئة العام الماضي.

القطاعان الأكثر تضرراً من حيث التخلف عن السداد في العام الماضي، هما “خدمات الأعمال” والرعاية الصحية، مع 15 و13 تخلفاً عن السداد على التوالي، وفقاً لتصنيفات وكالة موديز، وتتوقع الوكالة أن تكون “صناعات التكنولوجيا المتقدمة” صاحبة أكبر عدد من حالات التخلف عن السداد العام الجاري، إلى جانب القطاعين السالفي الذكر.

ووفقاً لتقرير منفصل صدر الثلثاء عن وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيفات الائتمانية، قفزت حالات التخلف عن السداد العالمية إلى 153 شركة.

ويتوقع محللو “ستاندرد آند بورز”، أن القطاعات المنكشفة على الإنفاق الاستهلاكي، بما في ذلك وسائل الإعلام والترفيه، ستقود حالات التخلف عن السداد في عام 2024، بالنظر إلى توقعات تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي والعدد المرتفع بالفعل من الحلقات الأضعف في تلك القطاعات، وتتعلق الروابط الأضعف بالشركات ذات التصنيف “B سالب”، والأقل ذات النظرة السلبية.

أميركا في مقدمة التعثر

وبحسب ما جاء في تقرير وكالة “ستاندرد آند بورز”، الذي اطلعت عليه “النهار العربي”، قادت الولايات المتحدة حالات التخلف عن السداد في عام 2023 بنسبة ما بين 63 إلى 96 بالمئة من جميع حالات التخلف عن السداد على مستوى العالم وفقاً لمختلف القطاعات، وهو ما يمثل 2.6 ضعف عدد حالات التخلف عن السداد في الولايات المتحدة في عام 2022. وعزت التقارير العدد الكبير من حالات التخلف عن السداد في الولايات المتحدة، جزئياً، إلى ارتفاع عدد الجهات التي تم تصنيفها “CCC +” أو أقل لفترة طويلة، حيث تشهد العديد من الشركات تدفقات نقدية “سلبية” مقترنة برفع الأسعار المطرد وارتفاع نفقات الفائدة، وضعف السيولة.

وتوقعت الوكالة المزيد من التدهور الائتماني على مستوى العالم خلال عام 2024، وفي الغالب سيزيد عند الطرف الأدنى من مقياس التصنيف “B-” أو أقل، حيث يتعرض ما يقرب من 40 بالمئة من جهات الإصدار لخطر تخفيض التصنيف، وتوقعت أن تظل تكاليف التمويل مرتفعة على الرغم من احتمال خفض أسعار الفائدة.

مارتي فريدسون، كبير مسؤولي الاستثمار في “ليمان ليفيان فريدسون أدفيزورز” يقول إن الحذر لا يزال مطلوباً لأن السوق تجسد وجهة نظر متفائلة للغاية بشأن تخفيضات أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي على وجه الخصوص، لافتاً إلى أن هناك قطاعات من الاقتصاد يجب ألا يكون لديها نوع من شعور الرضا عن النفس.

توقعات مفرطة التفاؤل حيال الفائدة

بعض المستثمرين يرون أن توقعات خفض الفائدة، مفرطة في التفاؤل ولا تأخذ في الاعتبار استمرار عدم اليقين بشأن توقعات السياسة النقدية وصحة الاقتصاد العالمي. وبالنسبة لمحللي وكالة “موديز”، فإن وتيرة تخفيضات أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى ستكون أكثر تدرجاً من تلك الخاصة برفع أسعار الفائدة، ما يترك أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول.

ويرى المحللون أن السيناريو الأساسي لوكالة التصنيف هو أن يصل معدل التخلف عن السداد العالمي إلى ذروته عند 4.9 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، قبل أن ينخفض انخفاضاً أكثر تواضعاً وتدرجاً، مما كان عليه في كل من أزمة 2008-2009 وجائحة كوفيد-19، ليصل إلى نحو 3.7 في المئة بحلول نهاية العام. ولفت التقرير إلى أنه عند الأخذ في الاعتبار التوقعات “الشديدة التشاؤم”، فإن المعدل قد يصل إلى 11.5 في المئة.

القروض العقارية والائتمانية ترتفع

وفي سياق مواز، ارتفعت معدلات التخلف عن سداد القروض العقارية وبطاقات الائتمان في الفترة التي سبقت عيد الميلاد، وفقاً لمسح أجراه بنك إنكلترا (المركزي) للمقرضين.

وأفادت البنوك وجمعيات البناء بأن كلاً من حالات التخلف عن السداد والخسائر في ظل التخلف عن السداد زادت على القروض العقارية في الربع الرابع من عام 2023، ومن المتوقع أن يزداد كلاهما زيادة أكبر في أوائل عام 2024. كما زادت معدلات التخلف عن السداد على الإقراض غير العقاري للأسر في الربع الرابع، ومن المتوقع أيضاً أن تزيد في الربع الأول من هذا العام، حسب مسح ظروف الائتمان، وسط توقعات بارتفاع معدلات التخلف عن السداد ارتفاعاً طفيفاً بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة دون الكبيرة.