مقالات

التفسير الطبيعى للمعنويات

ايمن المحجوب

ترددت كثيرا قبل كتابة هذا المقال لأن الكثير سوف ينزعج مما فى هذه النظرية من هدم لأمور عزيزة علينا، وما فيها من نزول بأرقى ما فى الإنسان إلى مستوى هو فى نظرهم أقل من المستوى الذى وضعنا فيه المعنويات قديما حيث جعلناها فيضًا من قوة أعلى من الإنسان وأن هذا النزول يذهب بجمالها وبما فيها من رونق وعظمة وقدسية ، وبما كان يتبع ذلك من إحساس الإنسان بالسمو والارتقاء حيث يرى نفسه دون الكون كله قادراً على فهم المعنويات والتحلى بها.

فمن الناس من يرى الحياة عبئا وحملاً ثقيلاً ما لم يكن لها مغزى سام وغاية عليا تسمو على كل اعتبار حيوى وإنسانى بحت ، وهؤلاء يرون فى نظرية ” الأصل الطبيعى للمعنويات ” إخلالا بهذا السمو، ويعدونها من أجل ذلك خطرا على النظام النفسى والفكرى والاجتماعى البشرية .

وإنى لا أرى أن التفسير الطبيعى للمعنويات ينزل بها عن المستوى العالى الذى وضعناه قديما حين أحسسنا بها ، ولم نكن قد فهمنا كنهها أو سبرنا غورها بعد .

والعظمة التى أصلها الرهبة القائمة على الجهل بكنه شىء من الأشياء لا تعد عظمة حقيقية ، بل مآلها إلى الزوال عند زيادة علمنا بها ، على حين أن وضع الشىء موضعه الحق من نظام كونى عام يجعل الأشياء العظيمة عظيمة حقا .

والحق أنه لا يعنينا كثيرا ما قد يكون فى هذه النظرية من أثر فى الأخلاق والسلوك ما دامت صادقة علميا ومطابقة للواقع ، على أنى أعتقد أن الناس يجب أن يرضوا أنفسهم على أن تكون غاية الحياة تحقيق ما فى كل إنسان أو كائن حى من قوة ونظام . والتركيب الطبيعى للقوى الكامنة فينا هو الذى يحدد الغايات ويهيئ لنا تحقيقها على اختلاف فى مستواها . والذى لا يسمح له نظام تكوينه أن يحقق غايات سامية يخطئ إذا حاول بلوغها لأنه سيخفق فى محاولاته لا محالة.

وفى النهاية لا أرى فى التفسير الطبيعى للمعنويات نزولا بالإنسان فأى شىء أعظم من أن يشعر الرجل أن نبض قلبه وحرارة دمه وعواطفه وفنونه كلها ليست إلا جزءاً من القوى الضخمة التى يحرك أبسطها السماوات والأرض والنجوم والكواكب