ظل فيلم “رجل الذكرى المئوية الثانية” (Bicentennial Man) للممثل الأميركي الراحل روبن ويليامز من أكثر الأفلام تأثيرا في نفسي ـ وهذا الفيلم عرفني بهذا الممثل المبدع ـ وهو فيلم خيال علمي أميركي أُنتج عام 1999م، تدور أحداث الفيلم حول الروبوت “أندرو” الذي تقتنيه أسرة بشرية لأداء الواجبات وأعمال التدبير المنزلي والصيانة، وتتراوح ردود فعل الأسرة من القبول والفضول، إلى الرفض الصريح لوجوده بينهم. تتوالى الأحداث وصولا إلى نهاية الفيلم، حين يقرر الرئيس التنفيذي للشركة المنتجة للروبوت تحويله إلى خردة، لأنه يرى أن الروبوت مع مرور الوقت بدأت له مشاعر بشرية، وهذا التطور يعده مشكلة فيرغب في تحطيمه، لكن أب الأسرة يرفض ويأخذ أندرو ليسمح له بمتابعة وتنمية قدراته الخاصة وتشجيعه على تثقيف نفسه في العلوم الإنسانية. وكوجهة نظر؛ إن ما ميز هذا الفيلم عن غيره من أفلام الذكاء الاصطناعي هو الطرح الفلسفي لفكرة التحام الجسد (الآلة) بالروح الإنسانية. ومنذ ذلك والعالم يحاول إيجاد وتصنيع الروبوت أندرو! وهذا يلخص الطموح الذي تسعى له جميع الشركات وهو تصنيع “آلة بشرية” إن صح التعبير.
إن تنافس الشعوب والدول في الحصول على عملة العصر وتملكها، كقصة في حد ذاتها تتكرر من عصر إلى آخر، لكن العملة هي التي تتغير، فالفحم والذهب تارة، والسلاح والطاقة تارة أخرى، لكن عملة هذا العصر هي الروبوت البشري أو الرجل الآلي. لذا انكفأ البشر في الآونة الأخيرة من مهندسين ومبرمجين على الحواسيب لإنتاج روبوتات أكثر من الإعداد البشري ذاته. وأصبحت الدول تقيم مدى تقدمها وتطورها بمدى امتلاك هذه المعرفة؛ وهذا لا يعني امتلاك واستهلاك أجهزة في مناشط حياتنا، وإنما القدرة على إنتاج هذه المعرفة وتنوعها وتسويقها للعالم. إن فكرة وجود روبوت في حياتنا أو مؤسساتنا أو مصانعنا أو شوارعنا أصبحت عملة مطلوبة ـ ليست على مستوى الشركات، وإنما على مستوى الأفراد أيضا.
وجدلية هذه المعرفة كأي معرفة مررنا بها في التقدم والتطور العلمي في السنوات الأخيرة بين مؤيد ومعارض، لذا اختلفت آراء الناس وتقبلهم لهذه المعرفة. ومهما بلغت معارضة بعض الناس لهذه المعرفة فليس هناك مجال للعودة إلى الوراء في الوقت الذي تفرض التكنولوجيا نفسها علينا في حياتنا اليومية. ومن وجهة نظري هذا القبول أو الصد عادة ما يرتبط بنوعية الذكاء الاصطناعي المطلوب والمتوفر. ففي الوقت الذي أحتاج فيه إلى برنامج يفهرس لي إصدارات كتب ومؤلفات سنة كاملة، لن أكون محتاجة إلى رجل آلي يعد لي فنجان قهوة، وكذلك الحال عندما يكون هناك برنامج يقوم بالتصحيح الإملائي لمئات بل آلاف الصفحات لمؤلف ما، فلا أفكر في مساوي هذه التقنية، بل سوف أتسابق في امتلاكها. ويكفي أن الذكاء الاصطناعي قادر أن يحدد الطالب النابغة الذي سوف يحصل على جائزة نوبل قبل دخوله الجامعة، وهذا ما قامت به الولايات المتحدة الأميركية عند تخزين معلومات منذ 1970م لدى أحد تطبيقاته. فلا شك أن مواكبة هذا العلم وهذه الصناعة في حد ذاتها مهمة وغاية لتقدم وتطور الذكاء البشري، وامتلاك هذه المعرفة يحدد موقعنا من سلم التقدم العلمي والتقني والاقتصادي.
وعلى مر السنوات الأخيرة تطور الذكاء الاصطناعي من آلات التفاعل البسيط إلى الإدراك الذاتي، والتي يمكن تقسيمها إلى أربعة أنواع. من نوع يتصرف كردة لفعل ما، وهذا النوع ليس لديه ذكريات أو توسع في المعرفة ويقوم بعمل واحد؛ كلاعب الشطرنج، إلى نوع لديه ذاكرة قوية ومعلومات كثيرة يستطيع أن يتخذ قرارات وفق ما لديه من معلومات مخزنة، كمترجم النصوص والقيادة الذاتية. أما جيل النوع الثالث والرابع ففائق الذكاء؛ والنوع الثالث يستطيع فهم الانفعالات والأفكار والدوافع البشرية والتفاعل الاجتماعي وهو الجيل القادم على الأرجح؛ أما الرابع فهو قمة تطور الذكاء الاصطناعي لكونه سيستطيع تقديم تصورات عن نفسه وإدراك حالاته الداخلية. ويعد النوعان الأخيران هما أكبر حدث في التاريخ الإنساني وقد يكون الأخير. والآن ونحن نقف كتربويين مهتمين على نافذة هذا العالم الجميل والمخيف في ذات الوقت، علينا بسؤال أنفسنا: ما دور التعليم في تنمية الذكاء الاصطناعي؟
رضية بنت ناصر الهاشمية