مقالات

الماسكون بجمر الحقيقة

 
 
هيثم العايدي
 
مثلما يكشف سيل الشائعات المتدفق من على مواقع التواصل الاجتماعي مدى خطورة الانجرار وراء هذه المواقع، واعتمادها مصدرا وحيدا للأخبار والإخبار، تكشف هذه الشائعات أيضا من هم من بين وسائل الإعلام الذين ما زالوا ماسكين بجمر الحقيقة وسط وسائل أخرى خرجت عن وظيفتها الأساسية لتمضي في بريق زائف أدواته كم المتابعين وناقري الإعجابات على شبكة الإنترنت.
ففي خضم الأخبار التي تواترت بعد حادثة حريق محطة القطارات الرئيسية بالقاهرة والتي كان من تداعياتها استقالة وزير النقل، نشر أحدهم تغريدة تتحدث عن تعيين من قال إنه الدكتور مهندس محمد وجيه عبدالعزيز وزيرا للنقل، وأن هذا الشخص هو من أنشأ محطات السكة الحديد بفرنسا، كما ساعد على النهوض بمستوى السكة الحديد على مدار الــ20 سنة الأخيرة داخل العديد من الدول الأوروبية.
وفي خضم ساعات معدودة انتشرت هذه التغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تلقفها العديد من المواقع الإلكترونية التي تدعي أنها (مواقع إخبارية) ناسبة المعلومة إلى مصادر موثوقة، كما أمعنت بعض المواقع في الإسهاب في خبرات وقدرات هذا الشخص ليخرج كاتب التغريدة بعدها ليقول إن هذا الشخص هو والده المتوفى منذ سنوات، كما أنه لا علاقة له بقطاع السكة الحديد.
واعتبر كاتب التغريدة أنها تثبت أن من يعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي مصدرا للأخبار، سواء كان هذا الاعتماد من قبل أفراد أو مواقع إخبارية أو حتى مؤسسات إعلامية أنهم حمقى، حيث قال “أؤكد أن مواقع التواصل ليست مصدرًا للأخبار والمهنية تواجه أزمة”.
وتؤكد هذه التجربة التي لم تستغرق إلا بضع ساعات دراسة لباحثين أميركيين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ونشروها في مجلة “ساينس” حيث استندوا خلالها إلى تحليل مضمون حوالي 126 ألف تغريدة باللغة الإنجليزية نشرت بين عامي 2006 و2017. وخلص الباحثون إلى أن المحتويات الزائفة، سواء كانت عبارة عن نص أو فيديو أو صورة لديها فرص انتشار بنسبة تتجاوز 70 بالمئة مقارنة بالحقيقية. ومن بين العوامل المساعدة على ذلك الانتشار الواسع إعادة إرسالها بين الأشخاص فيما بينهم، خصوصا بين الأصدقاء والمعارف. ورغم أن محتوى تلك التغريدات شمل عدة موضوعات إلا أن الموضوعات السياسية نالت نصيب الأسد.
وعلى الرغم من شبه الإجماع العالمي على أن مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تكون بديلا للمؤسسات الإعلامية، وخصوصا الصحفية منها، سواء من حيث المسؤولية أو المصداقية أو القدرة على الإخبار واحترام عقول المتابعين، إلا أن هذه المؤسسات كالممسك بجمر الحقيقة نظرا لما تواجهه من تحديات تتناسب مع جهودها في الوصول على الحقيقة وإيصالها للجمهور.
فاستقاء الأخبار من مصادرها والتوثق من المعلومة يرفع من التكاليف التشغيلية للمؤسسات الإعلامية والصحفية، فلا يمكن أن نساوي بين التكلفة المادية والجهد المبذول منذ لحظة حدوث الخبر وحتى وصوله لدى الجمهور ومتابعته بالتحليل وعرض الآراء وبين التكلفة التي يتحملها من يفتح حسابا مجانيا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي أو موقعا على شبكة الإنترنت ويضع فيه ما يحلو له ليمر المحتوى في أغلب الأحيان دون محاسبة.
فإذا كان وجود المؤسسات الإعلامية والصحفية، خصوصا تلك المعروفة بمصداقيتها ورصانتها واحترامها لعقول جمهورها أسهم في معالجة الكثير من القضايا، كما أنها شكلت قناة لإيصال صوت الناس إلى المسؤولين .. فإن الحفاظ على هذه المؤسسات أمر حتمي حتى لا تكون الساحة متروكة للشائعات والأكاذيب.
فبضعة سطور مجانية يكتبها أحدهم على أحد مواقع التواصل الاجتماعي أو أحد المواقع الإلكترونية كفيلة بإحداث خسائر لا حصر لها.