مقالات

الثورة الصناعية الرابعة تطرق ابوابنا.. هل نحن مستعدّون؟

 
مرفت بنت عبد العزيز العريمي
بدأت ملامح الحياة عام 2030 تتبلور فلم يتبق إلا 12 عاما، ونشهد انتشارا واسعا في تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة (المادي ،والبيولوجي ،والرقمي ) وابرز الامثلة على التطبيقات المادية (السيارات ذاتية القيادة ،طباعات ثلاثية الابعاد ،الروبورتات)، ذكرت في عدة دراسات منها كتاب الثورة الصناعية الرابعة لكلاوس شواب.
تحولات كبيرة في انتظارنا ..حيث يتوقع الباحثون تراجع عدد ساعات العمل إلى ثلاث ساعات يوميا، وسيكون هناك متسع كبير من الوقت لاستثماره في الأنشطة، والعلاقات الاجتماعيةالمختلفة، ويتوقع أن يشهد العالم موجة جديدة من البطالة الجماعية، وارتفاعا في معدلات الفقر، وبقاء البعض دون مصدر للدخل، فعلى سبيل المثال بينت دراسة أمريكية لمؤسسة برايس وتر هاوس أن ثمانية وثلاثين بالمئة من الوظائف الأمريكية معرضة للخطر بحلول عام 2030 ، وقامت بها جامعة اكسفورد بدراسة مشابهة بيّنت خلالها أن سبعة وأربعين بالمئة من الوظائف باتت مهدّدة خلال العقدين القادمين نتيجة الأتمتة (التشغيل الآلي بدون مساعدة الانسان)، مقابل ذلك ستظهر وظائف جديدة كليا، وسيكون عليها الطلب عالميا وستكون ذات رواتب، وحوافز مجزية، هذا ماتنبأت بها دراستان صادرتان عن هيئة المنح الدراسية البريطانية والكندية.
اثنا عشر عاما تفصلنا عن عام 2030 العام الذي نتوقع أن يشهد تغيرات
كبيرة في مفاهيم الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، فالخبراء
يتوقعون أن ينتشر استخدام الروبورت على نطاق واسع، وسيتمكن كل فرد وعائلة من امتلاك على أقل روبورتا واحدا يساعده على أداء بعض المهام سواء بالمنزل أو بالعمل، وبالتالي يتوقع أن يحلّ الذكاء الاصطناعي محل الكثير من المهن من بينها مهنة الطبيب، والجراح، والمعلم، والمهندس، ورجل الأمن،والجندي، وغيرها، كما ستختفي بعض المهن نهائيا، وتحل محلها وظائف جديدة كليا ويتوقع الباحثون قائمة من الوظائف المستقبلية التي ستكون رائجة كوظيفة (طبيب تجميل الروبوتات) الذي سيعمل على تغيير شكل الروبورت حسب رغبة المالك، و(طبيب فحص، ومتابعة، وظائف الروبورت) للتأكد من كونها تؤدي وظائفها بسلاسة، وقد أشارت الدراسات إلى أكثر الوظائف رواجا في الثورة الصناعية الرابعة مثل: وظيفة مستشار الصحة النفسية، والجسدية لرعاية المسنّين الذين سيتزايد عددهم خلال الأعوام المقبلة، ومستشار الروبوت والمتخصص في انتقاء الروبوت المناسب للأفراد وفق احتياجاتهم، وستشهد بعضا من الصناعات تحوّلا في مفهومها، ومعاييرها، فعلى سبيل المثال، سنرى أزياءً وأغذية من مواد معاد تدويرها.
ومع التطور المتوقع في تقنيات ووظائف شبكات التواصل الاجتماعي
والإنترنت سيحتاج الإنسان إلى مساعد يعمل على تنظيم حياته، وترتيب ملفاته
الإلكترونية وسطح مكتبه ومتابعة حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي
وبريده الإلكتروني وإدارتها ، وفي المجال الصحي ستظهر وظيفة (جرَّاح الذاكرة) للمساعدة في إعادة ذاكرة من يفقدها ، ووظيفة (متتبع الرعاية الصحية) الذي سيقدم معلومات وبيانات عن الحالة الصحية للفرد من خلال برامج وتطبيقات ذكية ستغني الإنسان عن الذهاب إلى المستشفيات.
وسيكون هناك طلبا على وظيفة المحامي الدولي ومتخصصين في الهندسة الوراثيةعند النباتات والحيوان والإنسان، ووظائف مطوري وسائل النقل والمحركات والمتخصصين في مجال سياحة الفضاء كالمرشد السياحي الفضائي.
هذه بعض ملامح ذكرها الخبراء عن عام 2030 وهي ملامح متوقعة للغد القريب و مع اتساع وقت الفراغ، فإنه لا مكان لغير المبدعين والمبتكرين في عالم الغد. وإذا ما عدنا إلى الوراء سنرى كم التحولات التي حدثت فقط في خمسين سنة ماضية خصوصا في المجال التقني لنعرف أننا مقبلون على أعوام من الابتكار، والإبداع، لذلك سيرافق هذا التحول نوع مختلف من الاقتصادات وهو (اقتصاد الخدمات المستقلة) المبني على المهارات الفردية في مجالات البرمجيات والتصميم الجرافيكي، وريادة الأعمال والأعمال الحرّة هذا الاقتصاد سيتطلب مرونة أكبر في ساعات العمل وسرعة مواكبة التطورات في مجال العمل على نمط المشاريع المتنوعة والمختلفة، وسيتطلب الاقتصاد المستقل سرعة التعلم واستيعاب المهارات الجديدة ومستوى كبير من الإبداع والابتكار في طرح الحلول وإنجاز العمل، وإنفاق أكبر على التطوير التكنولوجي مع الاستعانة بعدد قليل من الموظفين المتخصصين في كل مؤسسة ..
إلا أن أكبر تحدٍ نواجهه الآن كمجتمعات متشبثة باستراتيجيات تعليمية تقليدية هو تراجع عام في الأنظمة التعليمية العربية ومؤسساتها لأنها لا تمكّن الطلاب من اكتساب مهارات العمل، والتفكير الإبداعي، والنقدي والمرونة في مفاهيم العمل بالتالي سيكون من الصعب على المؤسسات المستقبلية العثور على خريجين، ومواهب ملائمة للعمل في سوق المستقبل .
ولعل أحد أسباب ارتفاع نسب البطالة بين الشباب في الأعوام الأخيرة والاعتماد الأكبر على الخبرات الأجنبية، الفجوة بين احتياجات السوق، ومهارات الخرّيجين، وثقافة العمل، وحتى نتمكن من مواكبة المستقبل وتجنب إبقاء الأجيال المقبلة خارج سوق العمل علينا الإسراع في وضع خطة لاستقبال هذا التحوّل الجذري بتعليم الجيل الحالي والقادم مهارات المستقبل كتعليمهم التفكير النقدي، ومهارات التحليل، والتطوير، والابتكار، وتنمية مهاراتهم الإبداعية من الصفوف الدراسية الأولى، ودعمهم للتكيف مع الواقع المقبل، وتحضيرهم لسوق العمل المستقبلي، ويجب في الوقت ذاته التفكير في إيجاد حلول للمتضررين الذين سيفقدون وظائف بوضع خطة لتعليمهم مهارات عمل جديدة، وتغيير مساقات التعليم، والتخصصات الدراسية في المدارس، ومؤسسات التعليم العالي التوظيف الفعلي للتكنولوجيا في حياتنا بتطوير البنية التكنولوجية، وتحديث الأنظمة والتشريعات،| والقوانين في كافة المجالات، والعمل على إيجاد برامج يمكن أن يساعد الانسان على تمضية أوقات فراغه، وعلى المؤسسات العربية من الآن العمل على تطوير بيئات العمل والتحضير
للمستقبل بتغيير واعادة هندسة ثقافة العمل حتى لا تجد نفسها خارج السوق
العالمي.
لذلك، فأنه من الضروري جدا الاهتمام ببناء منظومة أخلاقية، وقيمية، وثقافية تتناسب مع الواقع الحضاري المستقبلي، والعمل على تعليم الجيل المقبل الإدارة المناسبة للوقت، وإلا سنجد أنفسنا أمام تحديات جديدة تضاف إلى القائمة الحالية وسنواجه المزيد من البطالة ووقت الفراغ!
وعليك أن تتخيل ماذا لو أصبح رئيسك في العمل روبوتا تتلقى منه الأوامر، ولن تتمكن من استعطافه إن أردت التهرب من العمل، أو استمالته إن أردت مكافأة أو ترقية استثنائية !..تخيّل أن موظفي خدمة العملاء بالمؤسسات الخاصة والعامة هم الآلات، فلن ترى الرشاوى، والاستثناءات وستقلّ الأخطاء!