اقتصادي

الجدل يشتعل في ليبيا حول رفع الدّعم عن “أرخص وقود في العالم”

منشأة تكرير نفطية في راس لانوف في ليبيا

رغم معارضة طيف واسع من الليبيين، تتمسك حكومة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة بخططها الرامية إلى رفع الدعم عن الوقود، مُحددة في الوقت نفسه موعداً في أفق منتصف العام الجاري أو بحلول نهاية السنة لإنجاز تلك الخطة.

بحسب التصريحات التي أدلى بها الدبيبة خلال مشاركته في القمة العالمية للحكومات في دبي، فإن سعر الوقود في ليبيا “هو الأرخص في العالم”، في الوقت الذي تتحمل فيه الدولة كلفة الدعم، مشدداً على أن هذا الأمر استغله المهربون، إذ يتم تهريب أكثر من 60 في المئة من المحروقات إلى دول الجوار وحتى إلى دول أوروبية قريبة من ليبيا.

وتشير التقديرات التي أوردها الدبيبة إلى أن كلفة التهريب هذه تصل إلى 60 مليار دينار (أكثر من 12 مليار دولار) سنوياً خسائر مباشرة يتكبدها الاقتصاد الليبي. ويقضي التصور الذي تتبناه الحكومة باستبدال الدعم النقدي بدعم الوقود، وبما يثير جدلاً واسعاً في الأوساط الليبية حول “آليات التنفيذ” وسط معارضة واسعة للقرار.

يأتي ذلك في الوقت الذي فتحت فيه الحكومة الليبية حواراً مجتمعياً يستهدف – بحسب الدبيبة – تغيير فكر الليبيين وإقناعهم بمزايا ذلك التحول، لمنع استفادة المهربين من وقود الليبيين.

وفي وقت سابق تم إلغاء الدعم عن المواد الغذائية، واستبدال زيادة في المرتبات به، وهو الأمر نفسه الذي سيحدث مع إلغاء الدعم عن الوقود، وفق الدبيبة.

جدل واسع

مدير “مركز الأمة الليبي”، الدكتور محمد الأسمر، يقول في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي” إن ملف رفع الدعم في ليبيا يُطرح بقوة في هذه الفترة، وقد أثير على نطاق واسع خلال الخمس سنوات الأخيرة عامةً، مشدداً على أن ثمة مجموعة من الترتيبات والإجراءات المرتبطة بمسألة رفع الدعم عن الوقود التي يثيرها رئيس الحكومة، ولا تتناسب تلك الترتيبات أو تتماشى مع إمكانات الحكومة القائمة الآن وقدراتها.

ويشدد على أن هذا القرار هو قرار مصيري يرتقي الى إصدار تشريع، وبالتالي هناك خلاف وجدل حوله، بما في ذلك السؤال المرتبط بـ”هل مناط بحكومة الدبيبة – المُنتهية ولايتها منذ 22 حزيران (يونيو) 2022 بموجب خريطة الطريق التي شُكلت الحكومة بناءً عليها – اتخاذ ذلك القرار المصيري؟”.

ويضيف الاسمر أن البدائل التي طرحتها الحكومة بتقديم دعم نقدي وكوبونات مقابل الحصول على الوقود يثار الجدل في شأنها وفي مدى قدرة الحكومة على ذلك، قائلاً: “شاهدنا قرارات حكومة الوحدة الوطنية ومن قبلها حكومة الوفاق، إذ لم تنجحا في رفع الدعم الجزئي عن التموين الغذائي، وقد أصبح السعر الموازي هو السائد من دون إحلال قيمة حقيقية مقابل ذلك”.

مثار جدل آخر يرتبط مباشرةً بـ”الفساد” المستشري في البلاد، وهو ما يؤكده الأسمر بقوله: “أين يذهب مقابل الدعم عندما يصل إلى الخزينة بعد إلغائه، ونحن نشاهد الفساد في الحكومة، وبينما النائب العام يومياً يصدر أوامر بالقبض والإيقاف والتحقيق في قضايا فساد؟ وبالتالي يعتقد معظم المعترضين أن هذه الأموال ستبقى عرضة للنهب”.

ومن بين الملفات الخلافية أيضاً في هذا السياق هو ما يرتبط بـ”الاستبدال النقدي”،  فكم تبلغ القيمة؟ وما هي الآلية المرتبطة بذلك؟ وفق الأسمر الذي يشير كذلك إلى إشكالية أخرى متعلقة بالمناطق المتباعدة التي يستخدم سكانها السيارات لمسافات طويلة، بينما هناك مناطق ليس فيها خدمات كالمشافي، لا سيما في المناطق القروية، وبالتالي يضطر أهلها لقطع مسافات قد تصل في بعض الأحيان إلى ما يفوق 450 كيلومتراً وهناك من تبتعد مدارس أبنائهم نحو 100 كيلومتر

تهريب الوقود

وعن المبررات التي تسوقها الحكومة لتوضيح توجهها لرفع الدعم، يختتم الاسمر حدسثه الى “النهار العربي”، بقوله إنه “في ما يخص المبررات المتعلقة بمسألة تهريب الوقود، فإن إخفاق الحكومة في وقف عملية التهريب لا يعني رفع الدعم عن المحروقات بالضرورة”.

وتصل كلفة دعم المحروقات في ليبيا إلى قرابة الأربعة مليارات دينار سنوياً (في حدود 835 مليون دولار). وكان تحقيق استقصائي لمنظمة “ذي سنتشري” قد كشف عن تكبد ليبيا خسائر لا تقل عن 750 مليون دولار سنوياً بسبب أنشطة تهريب الوقود من البلاد.

 يشار إلى أن إنتاج ليبيا من النفط وصل الى نحو 1.2 مليون برميل تقريباً، خلال العام الماضي 2023، وهو ما يمثل أقل من المستهدف من جانب المؤسسة الوطنية للنفط عند 1.3 مليون برميل يومياً خلال العام. بينما تتبنى ليبيا هدفاً طموحاً بحلول عام 2030 من أجل وصول حجم الإنتاج إلى مليوني برميل يومياً.

المعطيات الرئيسية

الخبير الاقتصادي الليبي، الدكتور محمد الحمروني، يقول في تصريحات خاصة الى ـ”النهار العربي”، إن قضية دعم المحروقات في ليبيا تعتبر موضوعاً حساساً ومعقداً؛ ذلك أن دعم الوقود يعد جزءاً أساسياً من السياسات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

ويشير في هذا السياق إلى مجموعة من المعطيات الرئيسية؛ أولها “التحديات المالية”، إذ تواجه الحكومة الليبية تحديات مالية كبيرة بسبب تكاليف دعم الوقود، وقد يكون تقديم دعم نقدي حلاً لهذه التحديات.

علاوة على العنصر المرتبط بـ”التهريب والفوضى”، إذ يسبب التهريب غير الشرعي للوقود خسائر مالية كبيرة، ويمكن أن يقلل إلغاء دعم الوقود من هذه الظاهرة، ولكن يتطلب ذلك تنفيذه بحذر لتجنب الفوضى، وفق الحمروني.

ويتحدث الحمروني عن عامل “التأثير على المواطنين”، إذ قد يؤثر إلغاء دعم الوقود كثيراً على المواطنين، لذا يجب التخطيط بعناية لهذا الانتقال وتوفير بدائل مناسبة. ويشير في الوقت نفسه إلى سعي الحكومة إلى تقديم بدائل فعالة لدعم الوقود، مثل دعم الفقراء مباشرة أو تعزيز النقل العام. كما يمكن تقديم بطاقات تعبئة الوقود بالرقم الوطني وتخصيص كمية محددة من الوقود المدعم للمواطن يكفي احتياجاته الشهرية، مع بيع الزيادة بسعر غير مدعم. ومع ذلك، فالحل الأساسي يكمن في فرض قوة القانون على الجميع وتحقيق الأمن والنظام والقضاء على الميليشيات التي تعتبر السبب الرئيسي لعدم استقرار البلاد سياسياً واقتصادياً.