مقالات

الجيل الثالث في رام الله.. وطائرة الرئيس تحلق

نادية عصام حرحش
في مثل هذا اليوم سيشهد التاريخ ، ان فلسطين ابهرت العالم بانجازات العام ، دخل الجيل الثالث من الانترنت الى رام الله ، واشترى الرئيس الفلسطيني محمود عباس طائرة بخمسين مليون دولار .
لا يحتاج العالم ان يعرف ، بأن الانترنت تعدى بأجياله الثامن . ولا يحتاج كذلك ان يعرف ، بأن الشعب الفلسطيني الذي تعيش سلطته من خلال المعونات الاجنبية المهددة بالتوقف، قد تعيل الخمسين مليون دولار الاف الالاف من عائلاتها. ولا يحتاج العالم ان يعرف ان هذه الطائرة لا مطار في مكان سيادة صاحبها.
فيي مثل هذا اليوم توفي جورج حبش، وتوفي اليوم غسان الشكعة. يتوفى من تبقى من حاملين لهذه القضية المهدورة. ولم يتبق لنا الا الترحم على الاموات الشرفاء منا ، وعلى انفسنا المنتظرة ليوم نموت فيه.
لم الموت ونحن نعيش في قعر الظلمات من البؤس واليأس والخنوع والانهزام؟
نحن نعيش الموت في ظلماته ، لا نحتاج لنلحق بالتراب لنعرف ظلام القبور.
بينما نعيش في قعر الهاوية من الانهزام والانحلال. يعيش الفقراء والمساكين في غزة ويلات الانقسام والحروب والانهيارات التي ترافق الامطار الغزيرة التي تلحق الاذى لا الخير لمن لا يجد سقفا لبيت يأوي فقره ، ولا طعاما يسد جوعه ، ولا كهرباء او غاز ليدفيء عظامه.
يتم الاعلان عن شراء طائرة خاصة ب ٥٠ مليون دولار. بطبيعة الحال، فإن التسريب للخبر جاء عن طريق الاعلام الاسرائيلي ، ولم تكذبه السلطة ، التي تم قبل ايام معدودة بإيقاف معونات امريكا لها نتيجة “استهزاء” الرئيس بترامب . كتبرير لعقاب على الشعب الفلسطيني . فتقوم السلطة بتبرير عملية الشراء لحاجة الرئيس لها .
في وضع عادي . كان من الممكن حتى المشاركة في احتفال من اجل شراء طائرة خاصة للرئيس. اذا ما كان هناك مطارا يحط طائرته فيه. ولكن ما الذي يمكن قوله في هكذا حال؟
لا اعرف الى متى والى اين سيبقى الحال على هذا الكم من الانحدار؟
لم يبق للكلام معنى ، ولم يبق للتبرير او التنديد حيز للنقاش.
هناك قضية تم اغتيالها ، وما يحدث اليوم اشبه بسرقة اعضاء لجسد تلك القضية.
القدس تم تهويدها ، ولم يبق امامنا الا مشاهدة الدول تتوجها كعاصمة لاسرائيل في احتفاليات قادمة.
المستعمرات في الضفة الغربية صارت جزءا من اسرائيل ، والاستمرار في بناء المزيد من المستعمرات قائم . الحواجز صارت معابر . والجدار صار جدارا عازلا ومحددا للخريطة الجغرافية. والقدس تصبح اورشاليم ونحن ننتظر انبعاثا جديدا لصلاح الدين!
الفساد ينخر في بطن السلطة كالدود الذي ينخر في جسد الميت . تتحلل الجثة ولا نزال نتساءل ان ماتت القضية وان كان هناك مجال لحل قادم.
والمصالحة لا تزال عنوان الانقسام القائم بين طرفي النزاع الفلسطيني في قعر الاحتلال. شعارات واعلانات وكلام فارغ لا يصدقه احد. بينما الانقسام هو الواقع الوحيد. لا مصالحة فعلية ، والمآسي تبقى لتتصدر حقيقة الاحوال في غزة.
ترامب يجلجل كما تجلجل الافعى بلسانها وتبث سمها ، فبعد اعلان القدس كعاصمة للدولة اليهودية ، بات من الطبيعي التبجح في جلجلة اخرى ، تكون فيها سيناء هي دولة الفلسطينيين المرتقبة.
ولا يمكن استبعاد هذا المخطط ، فما يجري من تواطؤ خليجي بقيادة سعودية ، ومصري بقيادة السيسي واستبعاد او تحفظ اردني وفلسطيني لا نفهمه ، يؤكد على العمل على مخطط قادم يكون فيه الحل النهائي الذي تريده اسرائيل وتهندس شكله امريكا ويدفع ثمنه الدول العربية .
وبين هذا كله من قعر جحيم الواقع الفلسطيني ، تبقى القيادة تدور في ارجاء نفسها وتدوخ الشعب في احداثياتها من مناصب وتدوير لوظائف وابقاء لوضع قائم يرمى فيه الفتات للشعب من اجل البقاء ليوم قد يحتاجه المتسلطون لانتخابات لن تأتي .
شعب يقتات على اخبار القيادة ، فيتسلى بمضغ النكات والاستهزاء والاستياء من جهة. ويتآكل فيما بينه بين انهيار اخلاقي واجتماعي ، صار تتربع فيه اخبار الجرائم المحلية من قتل واغتصاب ونهب علي اخبار جرائم الاحتلال.
ونرصد من خلال الجيل الثالث اخبارا نزودها على الفيسبوك تضخ فينا حياة تجعلنا مهزلة ، وتوكد اننا لا نستحق من هذه الحياة الا جحيمها.