يوسف أيوب
لحظة وصول الشيخ سعد الحريرى إلى بيروت يمكن اعتبارها علامة فارقة فى تاريخ لبنان، كونها جاءت بعد كثير من الشد والجذب، والجدل أيضاً حول لبنان وعلاقاتها الأقليمية، وتدخلات بعض الدول فى شئونها الداخلية، وتحويلها إلى منصة لإطلاق الصواريخ السياسية والعسكرية تجاه عواصم عربية، كانت ولا تزال فى ظهر لبنان.
فى لبنان حاول البعض تصوير إعلان الحريى استقالته على أنه تنفيذاً لإملاءات خارجية، وهو تفسير لجأ له على سبيل المثال حزب الله، ومن خلفه الرئاسة اللبنانية ممثلة فى الرئيس ميشيال عون، للهروب من مواجهة الحقائق التى كشف عنها الحريرى، والتى لا تغيب عن عين كل مراقب للوضع فى لبنان، حاولوا كثيراً الهروب من المواجهة من أبواب متعددة منها على سبيل المثال القول أن الحريرى محتجز فى السعودية، وأمور أخرى ثبت باليقين عدم صحتها، وبات الأن مطلوبا من حزب الله وحلفاءه أن يواجهوا الحقيقة وعدم الهروب منها، لأن الهروب هذة المرة ستكون مكلفة لهم وللبنان باكملها.
الحريرى عاد إلى بيروت وهو لا يأمن موضعه، فهو معرض ليلقى مصير والده، الذى أغتاله رجال سوريا فى لبنان، حينما فشلوا فى استمالته إلى مشروعهم الذى كان يهدف إلى البقاء فى لبنان أبد الدهر، ولانه أراد استقلال القرار والإرادة اللبنانية، فكان مصيره الاغتيال بعبوة ناسفة تم وضعها فى طريق موكبه، مات رفيق الحرير وجاء أبنه سعد إلى الواجهة السياسية، فى عقله ما حدث لأبيه، فالموت يلاحقه أينما حل فى بيروت، وهو ما جعله كثير الأسفار والإقامة بالخارج وتحديداً فى الرياض وباريس، كونه يحمل جنسية البلدين، لكن هذا لا يرضى حلفاء إيران فى لبنان، ممن لازالوا عند قرارهم، اما ينضم سعد لتحالفهم أو يتم اغتياله جسدياً، وأن لم يكن فمعنوياً وإعلامياً.
اليوم عاد الحريرى وبعودته أربك حسابات حلفاء إيران، ممن ظنوا أن غيبته ستطول، وأنهم سيتحكموا فى بيروت، لكن العودة كانت واجبة، ليس لهم وأنما لصالح لبنان، وهو ما أدركته الدول الساعية إلى استقرار لبنان كبلد مهم فى المنطقة.
أقول الدول التى تستهدف أمن واستقرار لبنان، وفى الخلفية العواصم التى زارهاسعد الحريرى قبل أن تحط طائرته بمطار الحريرى فى بيروت، وتحديداً باريس والقاهرة، فباريس كانت صاحبة الدعوة للزيارة، ومنها خرجت الكثير من النداءات للبنانيين لكى يجنبوا بلدهم ويلات الحروب.
من باريس أختار سعد الحريرى لتكون محطته قبل العودة لباريس، وهنا يظهر امام أعيننا ما شهدته القاهرة مساء الثلاثاء من حراك دبلوماسى، أوصل للجميع رسالة واضحة وهى أن مصر مع استقرار لبنان، وأنها تقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء، فقبل أيام كانت تستقبل رئيس البرلمان اللبنانى نبيه برى، الذى شارك فى بعض فعاليات منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، واليوم، أقصد الثلاثاء تستقبل الحريرى، وفى نفس الوقت يتلقى الرئيس عبد الفتاح السيسى، اتصالات هاتفياً من نظيره اللبنانى ميشيال عون، بما يؤكد السياسة المصرية الواضحة تجاه لبنان، سياسة تعلى من أمن واستقرار لبنان على أى شئ.
أعود إلى حراك الثلاثاء الدبلوماسى الذى كانت القاهرة محوره، وفى القلب منه، فبعد ساعتين تقريباً من عودته من قبرص، حيث شارك فى القمة الثلاثية التى ضمت مصر واليونان وقبرص، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، سعد الحريرى بحضور سامح شكرى وزير الخارجية، وخالد فوزى رئيس المخابرات العامة، وخلال اللقاء كانت رسائل الرئيس واضحة، وهى دعم مصر الكامل للحفاظ على استقرار لبنان وترسيخه، مع التشديد على ضرورة قيام جميع الأطراف اللبنانية بالتوافق فيما بينها وإعلاء المصلحة الوطنية العليا للشعب اللبناني الشقيق، ورفض مساعى التدخل الأجنبى فى الشؤون الداخلية للبنان.
رسائل الرئيس تلقاها الحريرى بارتياح شديد، مؤكداً اعتزاز لبنان بمواقف مصر الثابتة ودعمها لأمن لبنان واستقراره، وذلك من منطلق الدور الريادى والتاريخى الذى طالما قامت به مصر فى المنطقة والداعى إلى تحقيق الاستقرار والسلام .
وبعد لقاء الرئيس والحريرى، تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسى اتصالاً هاتفياً من الرئيس اللبنانى ميشال عون، الذى شكر الرئيس السيسى على الاهتمام الذى ابداه فى معالجة الازمة التى نشأت بعد اعلان الرئيس سعد الحريرى استقالته فى ٤ نوفمبر الجاريى، وخلال الاتصال على اهمية المحافظة على الاستقرار السياسي والامنى فى لبنان .
بعد اللقاء والأتصال أنطلق الحريرى إلى بيروت ، مارا بالعاصمة القبرصية ، نيقوسيا ، ليعيد الزخم مرة أخرى للحياة السياسية اللبنانية ، لكن هذه المرة برئة مصرية ، وسعى حثيث لتغليب المصلحة العليا للبنان وللمنطقة على أى مصالح فئوية أو حزبية ضيقة ، وكلى يقين أن اللبنانيين يدركون جيداً خطورة الوضع الحالى الذى يعيشونه، كما أنهم يدركون أيضاً خطورة الاصطفاف الفئوى الذى يدعمه حلفاء إيران ، وأن مستقبل لبنان مبنى على جملة واحدة، وهى “النأى بالنفس عن الأزمات الأقليمية” .