كتب عبده وازن
في التاسعة والثلاثين من عمره، استطاع الروائي التونسي- السويدي جوناس حسن خميري أن يفرض نفسه في الساحة الأدبية السويدية ويحصد جوائز مهمة عن أعماله الروائية، عطفاً على نصوصه المسرحية التي لقيت نجاحاً كبيراً. غير أن أكثر ما لفت القرّاء السويديين في أدبه هو طريقة استخدامه اللغة السويدية التي يعدّها لغته الأم، والإضافات التي حملها إليها أو التراكيب التي اشتقّها متكئاً على ذاكرته اللغوية العربية والفرنسية. فهو، وإن ولد في السويد لأب تونسي وأم سويدية ودرس لاحقاً الاقتصاد في باريس، ظل مأخوذاً بهاجس الهوية، لا سيما مع صعود موجة العنصرية فترة في السويد ووقوع أحداث ذات طابع عنصري ضد الغرباء. وقد حفلت نصوصه أصلاً بأسماء عربية مثل: أبو القاسم وشاهين وقادر وزينب وتمارا وسواها.
في روايته الجديدة «كل ما لا أتذكره» التي تُرجمت إلى لغات عدة منها الفرنسية (دار أكت سود، باريس 2017) يجعل خميري من بطله الذي يدعى صموئيل موظفاً في مكتب الهجرة، ما يعني أنه يهتم بقضايا اللاجئين، ومنهم عرب ومسلمون. لكنّ الرواية تبدأ بمقتل الموظف صموئيل وتستحيل تحقيقاً مفتوحاً حول مقتله الغامض عبر شهادات يُدلي بها أناس عرفوه أو عملوا معه. وينتهي التحقيق إلى رسم نوع من صورة شخصية لصاموئيل تظهره شخصاً فريداً وغريب المزاج، منجذباً إلى ذاكرته التي يصفها بالخائنة. وفي سيرته هذه يحضر صديقه الذي يقيم معه وسيدة كان يحبها… وهذا ما يساهم في حبك خيوط مقتله.
في عام 2003 أصدر خميري روايته الأولى «عين حمراء واحدة» وكان في الخامسة والعشرين، فأحدثت نجاحاً وبلغ رقم مبيعها مئتي ألف نسخة، وهذا رقم غير متوقع لرواية أولى في السويد. وحلّت طوال عام 2004 في لائحة الأكثر مبيعاً ونالت جائزة «بوراس تدنينغ» للرواية الأولى. في هذه الرواية يعبّر خميري عن حال الصراع الذي يعيشه مراهق ضد ما يسميه «الدمج الكاريكاتوري» في المعنى الاجتماعي والسياسي. ووُصفت الرواية في كونها «رواية الضواحي» أي الأمكنة المهمّشة وشبه المنغلقة. أما رواية خميري الثانية «مونتكور أو النمر الفريد» الصادرة عام 2006 فحظيت بترحاب نقدي وإعلامي وحازت جائزة الإذاعة السويدية التي وصفتها في بيانها بـ «الرواية الجميلة ذات النفس الكئيب، والرهيبة أيضاً، والباهرة في وصفها الفريد للسويد». يروي خميري هنا حكاية التمرّد على الأب الذي يمسي في آن واحد تمرداً على استلاب المجتمع السويدي وعلى سلبية الواقع الاغترابي. فالبطل التونسي الخمسيني قادر، الذي يملك فندقاً على شاطئ طبرقة في تونس يكتب رسالة إلى ابن عباس صديقه منذ الطفولة، وهو قد أصبح كاتباً لامعاً في السويد بعد نجاح روايته الأولى. يسعى قادر عبر رسائله إلى إقناع جوناس (اسم الكاتب نفسه) في أن يكتب سيرة أبيه المصوّر المعروف الذي كان يعيش حياة من الترحال والانقطاع عن أسرته وأصدقائه. إلاّ أن قادر يتولى عبر هذه الرسائل أمر كتابة حكاية عباس صديقه منذ نشأتهما في الميتم معاً، حتى المنفى السويدي الذي فرّق بينهما. وإزاء الحكاية التي كتبها قادر يقرر الابن جوناس أن يكتب الناحية الأخرى من سيرة أبيه، ولكن من وجهة نظره هو إليه. هكذا تتقاطع السيرتان المروّيتان عن الأب في هذه الرواية التي نجح خميري كثيراً في بناء فصولها ووقائعها. وكتب خميري أعمالاً مسرحية عدة ومنها «الغزو» و «أنادي إخوتي» اللتان قُدّمتا على المسرح السويدي والأوروبي بعد ترجمتهما.
لا يزال الروائي التونسي- السويدي جوناس حسن خميري مجهولاً في العالم العربي ولم يترجم أيّ من أعماله إلى لغة الضاد ولم يُذكر مرة في سياق الكلام عن الكتّاب العرب الذين يكتبون بلغات أجنبية، مع أن نصوصه حافلة بشخصيات عربية تعاني في عالم الاغتراب السويدي. ولولا ترجمته إلى الفرنسية أو الإنكليزية لما توافر لنا اكتشافه والتعرّف إلى أعماله.