مقالات

لماذا تصرخون بلغة الحرب؟

ناظم محمد العبيدي

لم تستطع الديمقراطية أو مشروعها الفتي في العراق أن تغير عقلية الكثير ممن إتخذ منها آلية للعمل السياسي، ولم تدخل في متبنياته الفكرية والثقافية، وظل ينعم بمكتسباتها دون النظر الى أهميتها كنهج حضاري يحقق قدراً كبيراً من العدالة الاجتماعية، ويضمن التداول السلمي للسلطة عن طريق الاحتكام الى الدستور والانتخابات، ومع أننا ندرك المسافة الكبيرة بين هذا الحلم النظري وما جرى في السنوات الماضية على أرض الواقع، إلا أن التجربة ذاتها تستحق الرعاية والمضي فيها برغم كل الإخفاقات، وهذا ما يجعلنا اليوم نشير بألم
كبير الى السياسيين الذين لم يقدموا المثل المتوقع منهم الى الجماهير التي تحتاج الى من يحول هذا المشروع الى سلوك سياسي لا يخضع للمصالح الآنية والأنانيات الشخصية، فقد حفل تاريخنا الطويل بالكثير من
الأحداث الدامية التي تسببت بها النزعات الاستبدادية وعبادة السلطة وإن
جاءت على حساب الناس ومصائرهم، فهل كانت الديمقراطية لدى هؤلاء الساسة قرينة المكاسب وطموحاتهم الشخصية
والحزبية ؟ لماذا يصرخون مطالبين
بالحرب والخراب حين تعرضت مصالحهم للخطر ؟
إن الدعوات التي نسمعها اليوم لإراقة الدم العراقي لن تحقق لأحد نصراً أو مجداً، وكل ما ستجلبه هو المزيد من الخسارات والحماقات السياسية لتضاف الى سجل الفشل وكوارث الماضي، والأولى بمن يرفع الشعارات الكبيرة أن يرتفع مع معانيها ولا يعيد الينا تلك الصفحات المؤلمة التي كتبت بمداد الكراهية وأشعلت حروباً دموية لامجدية!
إن الشجاعة الحقيقية في العراق اليوم تصنع بالحوارات الحقيقية التي تقود الى مشروع وطني يقدم الحلول للمشكلات العالقة، ويحفظ للعراقيين دماءهم وثرواتهم ، ولا يمكن التخلي عن السلم بين أبناء الوطن الواحد تحت أية ذريعة والنكوص الى الخلف، فما عاد بالإمكان اليوم التفرد بالمواقف السياسية دون النظر الى التشابكات المعقدة التي تمليها المصالح السياسية الإقليمية والعالمية، وكل سياسة تتقاطع مع المعطيات الموجودة تفضي الى المزيد من الفوضى وتضييع المكتسبات التي تحققت طيلة السنوات الماضية، والتفريط بالحوار الوطني يعني ضمنياً الركون الى التدخلات الخارجية، وفقدان الثقة بين الشركاء من أجل وعود خارجية تتحكم بها المصالح المتغيرة، ويمكن الإشارة الى الكثير من الأحداث التي تؤكد هذه البديهية في الواقع العراقي، فلولا التدخلات الكثيرة التي كانت تتحكم في المشهد العراقي والإعراض عن الاحتكام الى المكاشفة بين القوى السياسية لما تعرض العراق الى خطر الإرهاب وحدوث ما نراه اليوم من تجاذبات يمكن تجاوزها والبدء بمرحلة جديدة، بدل التجييش وقرع طبول الحرب من بعض السياسيين الذين أداروا ظهرهم لمبادئ الديمقراطية.