مقالات

الشكر لترامب فقد كشف كل الأقنعة عن أمريكا بل وعن عملائها من الصهاينة العرب.. وأصبح واضحاً كالشمس أن امريكا هي اسرائيل الكبرى

 
د. عبد الحي زلوم
قبل سنوات كان عنوان احد كتبي هو (أمريكا اسرائيل الكبرى).لم يكن ذلك اكتشاف العصر فهي التي رعت دولة الاستيطان في فلسطين بدءاً من مليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية والعسكرية وليس انتهاءاً بالغطاء السياسي لعشرات الفيتو في مجلس الامن . كانت تفعل ذلك وتطلق القنابل الدخانية والصوتية بإدعاءات انها الوسيط النزيه مع أن من كان يعرف الف باء السياسة كان يعرف انه بدون الولايات المتحدة ما كان للكيان الصهيوني أن يصمد شهوراً لا سنوات . في كتابي المذكور اعلاه ذكرت قصصاً وأرقاماً ومنها ما كتبه يوري افنيري الكاتب والمعارض وعضو الكنيست الإسرائيلي السابق في عموده المنتظم بتاريخ 10 يونيو 2008. كتب أفنيري :” زرت الولايات المتحدة لأول مرة في أواخر الخمسينات وهناك دعتني محطة إذاعية رئيسية لإجراء مقابلة معي، لأستمع لاحقاً لتحذيرات من المسئولين عن البرنامج الذين قالوا لي:” بإمكانك انتقاد الرئيس( أيزنهاور)، ووزير الخارجية(فوستر دالاس) كما تشاء، ولكن رجاءً لا تنتقد القادة الإسرائيليين. وفي اللحظة الأخيرة ألغت المحطة الإذاعية فكرة إجراء المقابلة من الأساس… وفي عام 1970 دعتني جمعية الزمالة الأمريكية للمصالحة التي تحظى بسمعة طيبة لإلقاء سلسلة محاضرات في 30 جامعة عبر الولايات المتحدة برعاية جمعية “حاخامات هيليل”. وعندما وصلت نيويورك وجدت أنه تم إلغاء 29 محاضرة، وكان علي إلقاء المحاضرة الوحيدة تحت رعاية إحدى الجمعيات الكنسية المسيحية”
ومضى أفنيري في تعليقه يقول:” أتذكر في هذا الشأن، على وجه الخصوص، تجربة محبطة عشتها في بالتيمور. تطوع يهودي طيب، هاله إلغاء محاضرتي المقررة في المدينة، لتنظيم المحاضرة بأي ثمن. قمنا بتمشيط المدينة شارعاً شارعاً بحثاً عن قاعة تحمل اسم يهودي لعقد المحاضرة فلم نجد مديراً يقبل بعقد محاضرة لعضو كنيست إسرائيلي “مشاكس″… في تلك السنة وخلال أحداث أيلول الأسود، عقدت مؤتمراً صحفياً في واشنطن حيث توافد الصحفيون على المكان قادمين من مؤتمر صحفي لرئيسة الوزراء غولدا مائيير وأخذوا إمطاري بالأسئلة. تحدثت لمدة ساعة هي الوقت المحدد للقاء، إلا أن الصحفيين الذين يمثلون وسائل الإعلام الأمريكية المختلفة رفضوا الانفضاض واستمر اللقاء ساعة ونصف أخرى.وعندما خرجت الصحف في صباح اليوم التالي، لم أعثر ولو على كلمة واحدة عن اللقاء أو حتى التطرق لحدوثه من الأساس.”
خلال الأيام القليلة الماضية كان هناك حدثان أولهما محاضرة لجدعون ليفي في موقع “تقرير واشنطن ” وأخرى في نهاية ذلك الأسبوع مؤتمر ايباك والذي كان من المتكلمين فيه بالترتيب نيكي هيلي هندية الاصول ومندوبة امريكا لدى الامم المتحدة وايباك هي من اوصلتها الى هذه الوظيفة . ثمّ جاء نتنياهو وكانت كلمته مدعمة بالصور والارقام بأن أجهزة الامن والدفاع والجيش هم الاقوى منذ تأسيس الدولة وأن البلد ينعم بإقتصاد قوي متنامي وأن كافة الشركات الامريكية الكبرى لها مراكز أبحاث وفروع في الكيان الصهيوني. كان بالنسبة الي وكأنه رئيس مجلس ادارة شركة من الشركات العبر قطرية . والكيان الصهيوني اشبه ما يكون بشركة الهند الشرقية والتي كان لها جيش وبحرية بل وحكومة. كانت مشيخات الخليج تتبع لها لعشرات السنين. ثم جاء نائب الرئيس الامريكي مايك بنس. تكلم وكأنه نتنياهو متبنياً كافة اجدنته حيث أصبحت اجندة نتنياهو هي أجندة الولايات المتحدة بالكامل بما في ذلك القضية الفلسطينية والاتفاق النووي مع ايران و القضية السورية. كان بنس كالاجير يطلب رضا معلمه.
كانت المحاضرة الاخرى لجدعون ليفي مختلفة تماماً . وهي ضرورية جداً لفهم الكيان الصهيوني على حقيقته من ناشط يهودي أكثر وطنية ( وعروبة ) بل وديناً وإنسانيةً من كل الصهاينة العرب . وخلاصة ما جاء في محاضرته :
“هناك عقيدتان وكانهما من اركان الدين بالنسبة (لاسرائيل) وهما الصهيونية والجيش . وهما غير قابلان للنقاش . وأي اسرائيلي يخالف بعض ما بهما فيتم تصنيفه من المجتمع كخائن. لو قلت ان الجيش الاسرائيلي هو ثاني أكثر جيوش العالم اخلاقيةً وليس الاول كما يدّعون فلقد ارتكتب خيانة . لقد تمّ برمجة المجتمع بحيث اصبحت هاتان العقيدتان جزءاً من جيناتنا . “
“لا اعرف ايدولوجيةً شموليةً في العالم والتي يتوجب على الجميع أن يتقبلوها بدون اي سؤال لا عن ماضيها ولا حاضرها ولا مستقبلها. وعندما تتساءل أو تنتقدبعض ما فيها يقولون لك لما لا تذهب الى غزة أو الى دمشق؟ لا تبقى هنا.”
“عندما يتعلق الامر بالصهيونية لا يوجد في( اسرائيل ) يمين أو يسار . وعندما يتعلق الامر بالاحتلال وهو جزء من العقيدة الصهيونية لا يوجد فرق ما بين يمين أو يسار . كانت إحدى اخطائي انني عملت مع شمعون بيريس لاربع سنوات لانه لم يتوقف عن الحديث دوماً عن ضرورة انهاء الاحتلال وانه ليس ديمقراطياً ولا عدلاً أن يحكم شعب شعباً آخر . لكنه كان ابو مشروع الاستيطان ! ولكن في حقيقة الامر فالاسرائيليون مُتحدون في ولائهم للصهيونية و الاحتلال .”
“لا تتكلم الصحافة شيئاً عن جرائم الاحتلال اليومية. عهد التميمي بنت مراهقة تصفع جندياً تطالب الصحافة بحكم المؤبد عليها لا اقل. هذه البنت تمّ اصابةإبن عمها في راسه قبل ساعة فقط من صفعها الجندي على بعد 50 متراً من بيتها وهذه الحقائق لا تجد مكاناً في الاعلام .وأنا لا أجد في العالم مجتمعاً يعيش في حالة انكار كالمجتمع الاسرائيلي .”
“أحزاب اليمين على الاقل أكثر صدقاً . يقولون نعم نحن فاشيون وما المشكلة ؟ نحن يهود ويحق لنا ان نكون فاشين أو اي شيء آخر فنحن شعب الله المختار. وليس لاحدٍ أن يعلمنا ما يجب أن نعمله او لا نعمله .”
“هناك ثلاث حقائق تخص المجتمع الاسرائيلي. الحقيقة الاولى اننا شعب الله المختار.إن قوانيين المجتمع الدولي تنطبق على الجميع وليس علينا . والحقيقة الثانية أن المجتمع الاسرائيلي يؤمن بأنهم الضحايا الوحيدين في هذا العالم.”
ولان الشيء بالشيء يذكر اذكر أنه في بداية سنة 1955جاء متحدثٌ من سفارة الكيان الصهيوني في واشنطن ليلقي محاضرة في اوستن عاصمة تكساس . اسر المحاضر عواطف الحضور عندما قال : نحن قد تم اضطهادنا من كل الشعوب ومن كافة الاديان ومن كافة البلدان في كافة الازمان. افلا يحق أن يكون لنا في وطننا التاريخي في فلسطين دولة؟ في وقت الاسئلة في نهاية المحاضرة سألته :”هل لك أن تجيبني لماذا كنتم مضطهدين من كل الشعوب ومن كافة الاديان ومن كافة البلدان في كافة الازمان ؟ هل انّ كل الشعوب من كل الاديان ومن كافة البلدان في كافة الازمان؟ هل أن كل الشعوب ومن كافة الاديان ومن كافة البلدان في كافة الازمان ؟ هل انّ كل الشعوب من كل الاديان ومن كافة البلدان في كافة الازمان هي على خطأ ؟ أم ان اعتقادكم بأنكم شعب الله المختار وتصرفكم بناء على ذلك هو السبب ؟” هاج وماج المحاضر ولم يعرف ماذا يجيب.
“والحقيقة الثالثة هي أن الشعب الفلسطيني خصوصاً والغوييم (غير اليهود ) عموماً لا يمكن أن يكونوا بشراً كاليهود .”في كتابي امريكا اسرائيل الكبرى ذكرتُ هذه الواقعة لبيان كم هي عنصرية الصهيونية واتباعها : “عندما أطلق 30 طالباً من مدرسة يشيفا النار على فتاة عربية لا يزيد عمرها عن13 عاماً وأردوها قتيلة في شوارع إحدى البلدات العربية، وقف الحاخام اسحق غينسبيرغ أمام المحكمة الإسرائيلية مبرراً الجريمة بالقول:” ينبغي الاعتراف بأنه لا يمكن المساواة بين دم اليهود ودم غير اليهود.. على شعب إسرائيل النهوض والجهر بحقيقة أن اليهودي وغير اليهودي لا يمكن أن يتساويا لا قدر الله.. وعليه فإن أي محاكمة تقوم على مبدأ المساواة بين الاثنين إنما هو تزييف للعدالة”.
ولنرجع الى محاضرة جدعون ليفي حيث قال: “هناك ثلاثة أنظمة في (اسرائيل ) في آن واحد . النظام الديمقراطي الليبرالي الذي يخص اليهود وهو ما زال عاملاً بالرغم من ما بدأ يظهر به من عيوب . والنظام الثاني وهو يخص فلسطيني 1948 والذين يمثلون 20% من السكان ولهم حقوق منقوصة و يُعتبرون مواطنون منقوصو الحقوق بالرغم من امكانية ترشحهم وانتخابهم في الكنيست . والنظام الثالث هو النظام العسكري القمعي للمناطق المحتلة” . يضيف ليفي:” إن من يقول ان الاحتلال هو مؤقت فهو إما يكذب أو لا يعرف الحقيقة فالاحتلال هو جزء من الصهيونية . كما أنه لا فائدة من الاصلاح من داخل المجتمع الاسرائيلي وان المشكلة في الاساس هي الدعم الامريكي غير المحدود والذي هو في نهاية المطاف سينقلب ضد مصالح الكيان الاسرائيلي والولايات المتحدة نفسها.
واضيف أنا نظاماً رابعاً الى المناطق المحتلة من الدول العربية الاخرى لاكمال مشروع اسرائيل الكبرى . فتماماً كما وافق الكنيستمؤخراً على اعتبار مواطني القدس العرب مقيمين فقط و يمكن لوزير الداخلية سحب اقامتهم واخراجهم من بيوتهم وأوطانهم خارج القدس في اي وقت يريد . بالنسبة الى القادة العرب الذين يهرولون الى التصالح والتحالف مع هذا الكيان ابشرهم بأنهم سيحتاجون الى كفيل صهيوني لتجديد اقاماتهم سنة بعد سنةبعد احتلالهم .
والملخص : اصبحت اجندة غلاة اليمين الاسرائيلي هي اجندة الولايات المتحدة ويتم تنفيذها عبر صهاينة البيت الابيض وصبية اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس وفي مفاصل الدولة الاخرى. وتنتظر منطقتنا اياماً عصيبة حيث ستبدأ الادارة الامريكية الجديدة بتنفيذ الاجندة الصهيونية مما سيسبب دماراً وخراباً كبيرين بالتحالف ما بين صهاينة العرب والولايات المتحدة وربيبتها . وستفشل تلك الاجندة حيث يخرج من تحت الرماد شرق اوسط جديد بمواصفات وطنية .