مقالات

«الصحافي الجديد» في مؤتمر «أريج»

حازم الامين
أن يلتقي أكثر من 400 صحافي من حول العالم في مكان واحد ليناقشوا ما تواجهه مهنتهم من تحديات وتحولات، فإن ذلك حدث أيضاً، لا سيما أنهم حملوا معهم قصص بلادهم وهمومها وحروبها. حدث هذا على البحر الميت في مؤتمر منظمة «أريج» السنوي، وهو هذا العام كان تحت شعار «نحن والأخبار الملفقة»، أو الـ «فيك نيوز» كما صار يطلق عليها.
والحال أن الصحافيين العرب كانوا في المؤتمر يبحثون عن أب جديد وبديل عن الأب السياسي الذي ترنحت في ظله مهنتهم. ويبدو أن ملامح أبوة بدأت تلوح وترافق التحول الهائل الذي يعصف بالمهنة. فالصحافة العربية صارت جزءاً من هاجس الغرب، وهذا الأمر وإن كان ليس جديداً، إلا أن ثمة متغيراً على هذا الصعيد، ذاك أنه صار هاجس المجتمعات الغربية أيضاً، بعدما كان هاجس الحكومات.
الحكومات الغربية أنشأت إعلامها العربي. فرنسا لديها «فرانس 24» العربية، وبريطانيا لديها «بي بي سي» العربية، والولايات المتحدة لديها تلفزيون «الحرة»، وألمانيا أيضاً. الجديد على هذا الصعيد، وما يكشفه كل عام مؤتمر «أريج» هو أن مؤسسات غير حكومية غربية كبرى صارت معنية ببناء صحافي عربي مزود بخبرات وبحساسيات مختلفة. وهذا الجهد المتعاظم بدأ ينتج مفارقات، ذاك أن الصحافيين العرب هم أيضاً أبناء مؤسساتهم، أو متعاملون بأشكال متفاوتة مع مؤسسات الإعلام العربي. والتزود بخبرات وحساسيات من خارج منظومة هذا الإعلام يضعهم أمام تحديات مرتبطة بالشروط المهنية والرقابية التي تخضع لها هذه المؤسسات. وما كشفه مؤتمر «أريج» هو أنه في موازاة هذا الحضور الكثيف للصحافيين العرب، ثمة غياب لمؤسسات الإعلام العربي الرئيسية. حضر أكثر من 60 صحافياً يمنياً، وهؤلاء كانوا على البحر الميت في لحظة سقوط صنعاء بيد علي عبدالله صالح. وحضر صحافيون سوريون أيضاً بالكثافة نفسها. قصص اليمنيين والسوريين الصحافية استقبلت بترحيب الباحثين من المؤسسات الغربية عن أصوات مختلفة لكتابة ما يجري في هذين البلدين، وفي مقابل ذلك كانت القصص نفسها في مؤسسات الإعلام العربي الكبرى مثبتة وجامدة عند حدود الانقسامات.
التحولات الهائلة التي تعصف بالإعلام في ظل تحديات الديجيتل، حضرت أيضاً وصارت جزءاً من حكاية الصحافي الجديد. الديجيتل لا يهدد الصحافة، بل يعطيها مزيداً من الفرص. المحتوى العربي على الشبكة الإلكترونية لا يشكل أكثر من واحد في المئة من مجموع ما تحويه الشبكة، في وقت تبلغ نسبة المتصفحين العرب أكثر من ستة في المئة من زوار الشبكة ومن متصفحيها. هذه المعادلة تقول إن الحاجة للمحتوى العربي أكبر بكثير مما كانت قبل الثورة التكنولوجية. إذاً لدى الصحافة العربية فرصة أكبر، لكن شرط ذلك هو الاندراج في التحول الكبير الذي يصيب المهنة، ويصيب غيرها من المهن الموازية.
لم يعد ممكناً أن تبقى الصحافة العربية أسيرة مواقعها في النزاعات والانقسامات، ولم يعد ممكناً البقاء خارج منطق العرض والطلب، وأن تُردم هوة التمويل بالموازنات السياسية. ثمة فرصة كبيرة تلوح، وفي مقابلها ثمة هاوية هي مصير من لن يستجيب لشرط الصحافي الجديد.
وبالمناسبة «الصحافي الجديد» هو ليس فقط صحافياً شاباً قادماً إلى المهنة من خبرات مختلفة، إنما هو أيضاً الصحافي نفسه منتج المحتوى ومُجدده، وهذا الأخير صار القيمة الأهم في المنتج الإعلامي، بعد أن صارت أكلاف هذا المنتج تقتصر تقريباً على قوة عمله. ففي مؤتمر «أريج» حضر صحافيون غربيون في أعمارٍ متقدمة، وجاؤوا ليقولوا إنهم وفي متوسط عمرهم المهني وأحياناً في آخره، أجروا تحولاً وأعادوا بناء مهارات تنسجم مع شروط الصحافة الجديدة. وأن هذه المهارات تبقى كفاءات ضرورية في خدمة المحتوى، الذي كان وما زال الشرط الأساسي للمهنة، وهو ما لا يمكن للتكنولوجيا أن تطيحه.