مقالات

العالم على طاولة التقسيم

 
 
محمد بن سعيد الفطيسي
 
من يتابع ويراقب الأنشطة والسلوكيات السياسية والعسكرية التي تقوم بها كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا على رقعة الشطرنج الدولية خلال هذه المرحلة التاريخية (2018- 2019) يلحظ أنها أشبه ما تكون بسيناريو يهدف إلى تقسيم وتجزئة العالم إلى معسكرين, كما هو الحال في أيام الحرب الباردة، معسكر مع الولايات المتحدة الأميركية وتحت قيادتها وتوجيهاتها، ومعسكر آخر يركز على احتواء وتقليص قوة هذه الأخيرة ومكانتها الدولية المركزية، وتقود هذا الاتجاه أو المعسكر القوة الروسية الكبرى.
وعلى ما يبدو فإن الشرق الأوسط سيستمر في قلب الأحداث الدولية باعتبار أنه الجائزة السياسية الكبرى لتلك القوى، وكذلك ملتقى ومفترق مصالحها الجيوسياسية القائمة والقادمة، وهو ما يتضح جليا من خلال مؤتمر وارسو الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية من جهة، وكذلك مؤتمر سوتشي والذي تقوده روسيا من جهة أخرى.
والمتتبع لكلا المؤتمرين يجد إلى درجة بعيدة وضوح تلك المساعي سالفة الذكر، بغض النظر عن القضايا المطروحة. ويعزز ذلك التوجه والسلوك العديد من التصريحات الرسمية التي تؤكد قيام كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بأنشطة وسلوكيات وقرارات أقرب ما يمكن القول عنها بأنها تسعى إلى تهيئة العالم لتقبل خريطة دولية جديدة من الهيمنة والنفوذ ثنائي القطب، مع الإشارة إلى صعوبة هذا التوجه في ظل وجود قوى دولية أخرى تسعى إلى السيطرة وامتلاك القوة والنفوذ على رقعة الشطرنج الدولية، أو على أقل تقدير إنشاء تحالفات دولية فضفاضة على طاولة اجتماعات تلك المؤتمرات الدولية بهدف تعزيز دور تلك القوى الكبرى ومكانة حلفائها على رقعة الشطرنج الدولية.
فعلى سبيل المثال وحول مؤتمر وارسو الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية نجد الحرص والاهتمام الأميركي على تعزيز دور الشريك الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط كالعادة في جميع المؤامرات الأميركية المماثلة, يضاف إلى ذلك سعيها إلى إقامة (تحالف إقليمي عسكري يعرف باسم “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”، أو اختصارا بكلمة “ميسا” ويطلق عليه رمزيا “الناتو العربي”).
في وقت تسعى فيه روسيا في اجتماع سوتشي إلى تعزيز دورها ونفوذها السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط من جهة، وإلى تقويض وإضعاف نفوذ القوة الأميركية من جهة أخرى عبر التمكين لحلفائها الإقليمين البارزين كإيران، وإعادة الاستقرار والقوة السورية من جديد إلى الواجهة الدولية، بالإضافة إلى تأكيد الشراكة والتقارب مع القوة التركية برغم وجود بعض الخلافات السياسية والأمنية حيال بعض قضايا المنطقة.
على ضوء ذلك ستكون الشهور المقبلة، أو ما تبقى من العام 2019 بمثابة المرآة التي ستعكس أو ستؤكد على أرض الواقع نتائج تلك التوجهات والتحولات الكبرى التي تعيشها المنطقة، خصوصا على مستوى التحالفات وكذلك الشراكات العسكرية والأمنية، ومن وجهة نظري فإن ما يحدث وسيحدث خلال الفترة القادمة يمكن حصره في ارتفاع سقف تشظي النظام الدولي، وزيادة توسع دائرة الفوضى والاضطراب الناتجة عن مزيد من التقسيم والتجزئة للوحدات السياسية الدولية، خصوصا في دول الشرق الأوسط وأميركا الجنوبية، مع التأكيد على ارتفاع سقف القضايا الخلافية بين الدولتين.