فساد اداري

العراق يكشف مخالفات بـ 6 مليارات دولار في مصفاة كربلاء

المشروع بلا محطة كهرباء وتآكلت معداته ولم يتم تشغيله حتى الآن على رغم افتتاحه 3 مرات

جبار زيدان صحافي عراقي 

تنتج المصافي العراقية نحو 20 نوعاً مختلفاً من مشتقات النفط (أ ف ب)

كشفت دائرة التحقيقات في هيئة النزاهة العراقية عن مخالفات في عقد أبرمته وزارة النفط بكلفة ستة مليارات دولار في “مصفاة كربلاء” التي تعد الأحدث في العراق

ويعاني العراق، منذ عام 2003، الفساد الذي تسبب بانتكاسة كبيرة تجاه إعمار البلد ونهضته، إذ نتج من خسائره مليارات الدولارات في مشاريع وهمية بعد أخذ الأموال من دون إكماله على أرض الواقع، إذ يعد ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم واحتل المرتبة الـ 157 عالمياً ضمن مؤشر الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية عام 2021.

وفي سبتمبر (أيلول) 2021، كشف الرئيس العراقي السابق برهم صالح أن حصيلة النفط، منذ عام 2003، تصل لنحو تريليون دولار، إذ تشير التقديرات إلى أن الأموال المنهوبة من العراق إلى الخارج تقدر بنحو 150 مليار دولار، مشدداً على أن البلاد تعمل على استعادتها من خلال مطالبته العالم بتشكيل تحالف دولي لمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة.

مصفاة كربلاء

دائرة التحقيقات في هيئة النزاهة العراقية أفادت، عبر بيان لها، بوجود مخالفات في عقد مشروع تنفيذ أذرع التحميل الثقيلة في مصفاة كربلاء الذي أبرمته شركة المشاريع النفطية في وزارة النفط، عام 2014، مع ائتلاف شركات كورية برئاسة شركة “هيونداي”، مبينة أنه لم يتم تشغيل المشروع حتى الآن، وأوضحت أن “مكتب تحقيق الهيئة في كربلاء أكد عدم إنشاء محطة الكهرباء المصاحبة للمصفاة، فضلاً عن تو قف منظومة الهيدروجين وتآكل واندثار معدات المشروع، مع وجود تسرب في مبادلة حرارية لمادتي النفط والكاز”، مشيرة إلى عدم فرض غرامات تأخيرية على الشركات المنفذة لعدم إكمال المشروع”. 

وفي نهاية سبتمبر الماضي، أكدت وزارة النفط أن مصفاة كربلاء تعمل الآن بكامل طاقتها التصميمية البالغة 140 ألف برميل يومياً، فيما أشارت إلى نجاح التشغيل التجريبي لوحدة إنتاج الكازولين عالي الجودة.

عملية سابقة

وكانت هيئة النزاهة الاتحادية أعلنت في وقت سابق تنفيذ أمر القبض الصادر بحق المدير العام لشركة مصافي الوسط الحالي في وزارة النفط، مبينة أن العملية جاءت على خلفية تهمة التضخم وغسل الأموال وضبط عقود مشاركة بحوزته.

وقالت الهيئة العليا لمكافحة الفساد وفي معرض حديثها عن العملية التي تمت وفق مذكرة قضائية، إن “الفريق الساند للهيئة تمكن من تنفيذ أمر القبض الصادر عن قاضي تحقيق محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية بحق المدير العام لشركة مصافي الوسط في وزارة النفط بتهمة غسل الأموال والكسب غير المشروع البالغة قيمته نحو 7.8 مليار دينار (ستة ملايين دولار)”، مبينة أن “العملية أسفرت أيضاً عن ضبط عقود مشاركة بفندق ومعمل بحوزته”. 

أضافت الهيئة أن “القضية التي حققت فيها وأحالتها إلى القضاء تتعلق بالتهم الموجهة للمدير العام لشركة مصافي الوسط، ومنها ما أشره التقرير الفني لدائرة الوقاية الناتج من مقاطعة المعلومات المدرجة في استمارة كشف الذمة المالية للمكلف مع نتائج التقصي عن الأموال، إذ تضمن التقرير وجود مؤشر تضخم في أمواله وتقديم معلومات كاذبة، وعدم التصريح عن العقارات التي يملكها خارج العراق”، لافتة إلى أن “مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بعد مفاتحته من قبل الهيئة أكد امتلاك المتهم ستة عقارات في سلطنة عمان”.

اقرأ المزيد
  • السمك وجبة العراقيين المفضلة مهددة بـ”الغياب”
  • الخدمات تأتي وقت الانتخابات في العراق
  • العراق يمنح إيران ملياري دولار سنويا مقابل غاز تركمانستان

وتابعت أن “قيمة الكسب غير المشروع ناتجة من امتلاك المتهم ستة عقارات في أحد المجمعات السكنية في سلطنة عمان، وعقاراً في منطقة مميزة وسط العاصمة بغداد باسم زوجته، فضلاً عن مبلغ في الحيازة وآخر عبارة عن نقد مودع في المصارف وبعض المقتنيات الذهبية، وعقود مشاركة بفندق وشركات”، لافتة الى “تنظيم محضر أصولي بالعملية التي تمت وفق أحكام المادة (36) من قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (39) لسنة 2015، بغية عرضه بصحبة المتهم والمضبوطات التي كانت بحوزته، على قاضي التحقيق المختص لتقرير مصيره”.

إنجازات كبرى

وأكد رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون خلال استقباله وزير العدل المصري عمر مروان أهمية التعاون من خلال مذكرات التفاهم في مكافحة الفساد واسترداد المطلوبين، مشيراً إلى تحقيق إنجازات كبرى في مكافحة الفساد واسترداد عشرات المليارات للخزانة، وشدد حنون على أن “التعاون الدولي وإبرام مذكرات التفاهم بين الدول أمر مهم في ميدان مكافحة الفساد، لما في ذلك من دور في استرداد المدانين والأموال المهربة”، مضيفاً أنه تم “تحقيق إنجازات كبرى في مكافحة الفساد خلال عام من تشكيل الحكومة، وأن الإرادة الحكومية كانت أساس تلك الإنجازات”.

الفساد في قطاع الطاقة

بدوره، أشار الخبير في مجال مكافحة الفساد محمد رحيم الربيعي إلى أن الفساد الذي كشفته هيئة النزاهة في مصفاة كربلاء هو نموذج يسير به قطاع الطاقة العراقي المنهوب من قبل شركات متخصصة، وتابع الربيعي أن “المخالفات التي تم ضبطها في مصفاة كربلاء تضاف إلى ما حصل في وقت سابق من ضبط مدير مصافي الوسط، إذ إن لهما ارتباطاً بغسل الأموال”، مشيداً بتحرك هيئة النزاهة الاتحادية نحو فتح ملفات الفساد في قطاع الطاقة.

الفساد ملف كبير

في حين رأى الباحث السياسي رافد العطواني أن القوة السياسية غير قادرة وغير جادة في تحمل تبعات غلق باب الفساد الإداري والمالي في الحكومة لما له من خلفيات سياسية، لافتاً إلى أن مصفاة كربلاء تم افتتاحها ثلاث مرات من قبل حكومات متعاقبة بعد عام 2003، مرجحاً أن تكون غير جاهزة مع وجود شبهات فساد.

أهمية استراتيجية

وتبرز أهمية الصناعة النفطية في الاقتصاد العراقي إذ تعد ركيزة أساسية يعتمد عليها، بينما تشكل موارد النفط أكثر من 90 في المئة من موازنة العراق.

وفي هذا السياق، كشف المتخصص في الشأن الاقتصادي العراقي نوار السعدي أهمية مصفاة كربلاء التي تلعب دوراً بالغ الأهمية في الاقتصاد العراقي، إذ تحوي 33 وحدة تشغيلية وخدمية ذات طاقات إنتاجية كبيرة، كما تضم مستودعاً متكاملاً ومحطة ضخ المنتجات إلى المستودعات الخارجية ومعامل تعبئة الغاز، وفي ما يتعلق بأنواع المشتقات النفطية وكمياتها، أضاف السعدي أن المصفاة تنتج يومياً تسعة ملايين لتر من البنزين عالي الجودة بتركيز “أوكتان-95″، وأربعة ملايين لتر من الديزل وثلاثة ملايين لتر من الكيروسين، و750 طناً من الغاز السائل، إضافة إلى 1000 طن من الأسفلت و360 طناً من الكبريت الصلب، مع ثمانية ملايين لتر من الوقود الثقيل، وتعمل المصفاة أيضاً على تكرير النفط الخفيف والثقيل بما يتناسب مع نوعية النفط العراقي المنتج.

وذكر الخبير الاقتصادي أنه من المقرر أن ينتج نحو 20 نوعاً مختلفاً من مشتقات النفط، وكذلك تضم المصفاة 33 وحدة منها 20 وحدة كيماوية و13 وحدة خدمات، إضافة إلى محطة توليد كهرباء تنتج 200 ميغاواط.

ونوه السعدي بأهمية مصفاة كربلاء في دعم الاقتصاد العراقي بصورة كبيرة مع تكبد “مصفاة الصمود” في بيجي خسائر تصل إلى 1.5 مليون لتر يومياً والتي تعتبر منتجاً نفطياً مهماً.

وإضافة إلى ذلك تفقد كميات كبيرة من البنزين يومياً (1.5 مليون لتر) من “مصفاة الدورة” جنوب بغداد بسبب انقطاع التيار الكهربائي، مما يحدث مشكلة تحتاج إلى حل عاجل، ناهيك عن أنها تضم أربع محطات لتوليد الطاقة الكهربائية، مما سيسهم في توفير نحو 60 ميغاواط إضافية لشبكة الكهرباء الوطنية.

ولفت السعدي إلى أن “مصفاة كربلاء” ستسهم بشكل فعال في زيادة النشاط الاقتصادي في كربلاء وزيادة فرص العمل المحلية، إضافة إلى دعم المحافظة من خلال تخصيصات الـ “بترو دولار”، مما يزيد المشاريع الاستراتيجية مثل الطرق والصرف الصحي والفنادق والمستشفيات، كما ستنتج المصفاة غاز الطهي والكبريت الصلب، وستضيف 22 وحدة إنتاج جديدة إلى العراق باستخدام تقنيات “يورو-5” الصديقة للبيئة.