مقالات

العشائر والمليشيات .. سطوة انتخابية في البصرة تحت شعار «الأقربون أولى بالتصويت»

‘السياسة مورد إضافي للميليشيات’ …

صباح الساعدي

يراقب سلطان نايف، وهو عراقي عاطل عن العمل قرب منزله الصغير الواقع بين سكة حديد وأسلاك لنقل الطاقة الكهربائية، أعمدة دخان تتصاعد من حقول النفط على امتداد الأفق في محافظة البصرة، جنوب البلاد.

وتمتاز المحافظة بالنشاط التجاري الواسع لمجاورتها الكويت وإيران، حيث يعتقد الخريجون أن بامكانهم العثور على فرصة عمل، لكن غالباً ينتهي بهم المطاف دون عمل وسط معاناة وعيشٍ داخل مجمعات مكتظة في هذه المحافظة التي تعاني نقصا في البنى التحتية.

يقول نايف (25 عاما)ً وهو ما زال يعتمد على والديه في العيش كما هو حال أخوته الأربعة، إن «كل ما نحصل عليه من النفط هو التلوث» وعلى مسافة قريبة من منزل هذا الشاب، يمكن رؤية أبقار وأغنام ترعى في منطقة خضراء لا يفصلها عن حقل تتصاعد منه لهب وأعمدة دخان سوداء، سوى حائط من الحجر.

في هذه المنطقة العشوائية وعلى الشارع الرئيس نصب عشرات المرشحين ملصقاتهم الدعائية للترويج لمشاريعهم الانتخابية، يقولون إنهم سيوفرون فرص العمل لشباب المحافظة التي تطفو على بحر من نفط، وتطل على منفذ بحري يدر ملايين الدولارات شهرياً لكن دون أن تظهر ملامح تلك الأموال على المدينة.

يقول الشاب محمد خضير (26 عاماً) إننا لم نحصل على شيء من هذه الثروات التي تزخر بها المدينة، هناك الكثير من الفصائل المسلحة والمليشيات التي تهيمن على ثروات البصرة، وتتحكم بمواردها الاقتصادية، إنهم يملكون عصابات تستخدم السلاح لتحصيل نسبة عالية من موارد المدينة النفطية والمائية وغير ذلك.

وأضاف في حديثه لـ (باسنيوز) «اليوم مئات المرشحين علقوا لافتاتهم وصورهم الدعائية لكن الغريب أن برامجهم بعيدة جداً عن تطلعات المواطن البصري، نحتاج فرص عمل، وبيئة استثمارية صالحة، وإنهاء سطوة العشائر، والمليشيات، وفرض القانون، وتوزيع الثروات بشكل عادل».

وتشير بيانات مفوضية الانتخابات العراقية إلى أن مليوناً و200 ألف شخص في البصرة، يحق لهم التصويت لاختيار ممثلي المحافظة في مجلس النواب بنسخته الرابعة في الانتخابات المزمع إجراؤها في 12 أيار القادم، فيما شكلت المواليد (1998، 1999، 2000) نحو 2% من حجم الناخبين في المحافظة.

ويتنافس أكثر من 500 مرشح في المحافظة لشغل 25 مقعداً مخصصاً للبصرة في البرلمان، ضمن 14 كياناً وائتلافا مشاركاً في سباق الانتخابات، بمعدل تنافس 20 مرشحاً على المقعد الواحد.

بدوره أكد المرشح إلى الانتخابات عدي العجمان أن البرامج الانتخابية ما زالت غير واضحة إن لم تكن مفقودة أصلاً، كما تغيب الأهداف لدى الكتل السياسية التي تسعى لدخول قبة البرلمان، وما زال المرشحون لا يفرقون بين احتياجات المواطن واحتياجات المحافظة.

وأضاف في تصريح ، أن «المرشحين بعيدون عن هموم الشارع ورغباته، وليس هناك مساعٍ حقيقية لحل الأزمات التي تعيشها البصرة».

وأعلنت مفوضية الانتخابات أن الاستعدادات على وشك الانتهاء بعد وصول الأجهزة الخاصة بعملية العد والفرز وأجهزة التحقق .

وقال أحمد العبيدي مدير مكتب مفوضية الانتخابات في البصرة إن مركز التدقيق الخاص بنتائج الاقتراع افتتح، فضلاً عن الاستمرار بتنظيم الدورات الخاصة بموظفي الاقتراع البالغ عددهم 19 الف موظف والذين سيتوزعون على 514 مركزاً انتخابيا للاقتراع العام و22 مركزا للاقتراع الخاص.

العشائر .. الأقربون أولى بالتصويت

وتثير العشائر التي ينتمي لها بعض المرشحين مخاوف البصريين من اندلاع نزاعات مسلحة في يوم الاقتراع، خاصة وأن بعض العشائر تمتلك أسلحة توازي الأسلحة التي يمتلكها الجيش العراقي والشرطة المحلية.

ولجأ الكثير من المرشحين نحو عشائرهم للترويج لمشاريعهم الانتخابية، وتتمثل الدعاية العشائرية بالولائم والتجمعات وتوزيع الهبات لضمان أكبر عدد ممكن من أصوات أبناء العشيرة.

وعادة ما تُستخدم الهاونات والأسلحة الثقيلة بين هذه القبائل لإنهاء النزاعات التي تعود أحياناً لأسباب بسيطة، كخلاف على عائدية سيارة أو تحويل مجرى مائي أو حتى على قضايا الزواج والطلاق.

وأعلنت بعض القبائل الرئيسية في المحافظة رفضها استقبال أي مرشح للانتخابات، لتفادي حصول إرباك أو تظهر على أنها مؤيدة لبعض المرشحين، لكن ذلك لم يمنع ظهور أحد النواب وهو يرقص (يهوّس) في إحدى المضافات في مهرجان يبدو للترويج لحملته الانتخابية الجديدة.

أما بعض العشائر الأخرى فقد حوّلت مضايفها إلى منابر إعلامية وتستقبل يومياً عدداً من المرشحين للترويج عن مشاريعهم الانتخابية، فيما تشير مصادر لـ( باسنيوز) أن بعض السياسيين يدفعون مبالغ مالية لشيوخ العشائر لكسب ولائهم وولاء أفراد القبيلة.

بدوره أعرب المرشح أحمد عبد الحسين عن قلقه من تحول التنافس المحموم بين المرشحين إلى «صدام مسلح بين العشائر، خاصة أن العشيرة الواحدة لديها أكثر من مرشح».

وأضاف في تصريحات له أن «تلك المظاهر غريبة على البصرة، فالمدينة معروفة بتوجهها المدني».

ورغم تشكيل لجنة حل النزاعات العشائرية في البصرة إلا أنها في الحقيقة لم تتمكن من إيجاد حل جذري لتلك المشكلات المتجددة، والتي يغذيها ضعف الوعي والبطالة المتفشية بين الشباب، فضلاً عن استغلال تجار الاسلحة لبيع العتاد في معارك قد تستمر في بعض الحالات الى عدة أيام ويتم فيها إغلاق مناطق وشوارع رئيسة.

مشاركة المليشيات .. السياسة مورد إضافي

وتشارك في المحافظة بشكل واضح مليشيات متنفذة تسعى لدخول البرلمان عبر استخدام المالي السياسي، حيث يدخل غمار المنافسة «حزب ثأر الله»، ويحتل يوسف سناوي التسلسل رقم واحد في الحزب، وهو مرتبط بشكل وثيق بإيران.

كما تشارك قائمة الفتح التي تضم مليشيات الحشد الشعبي ويرأس القائمة في المحافظة وزير الاتصالات والقيادي في منظمة بدر، حسن الراشد، يليه القيادي في كتائب سيد الشهداء والنائب فالح الخزعلي.

وتشير تقديرات واستطلاعات رأي إلى أن المليشيات ليس لها رصيد في الشارع البصري، خاصة وأنها تسببت خلال الفترة الماضية بتراجع المحافظة على المستوى الخدمي والعمراني، وزادت من معاناة المواطنين عبر هيمنتها على مصادر الرزق والموارد وفرضها أتاوات على العمال والكسبة.

بدوره أكد المحلل السياسي مؤيد الجحيشي أن تلك المليشيات دخلت عالم السياسة وهي بعيدة عنه، وجميع أفرادها لا يفقهون في السياسية شيئاً، وهمهم الوحيد هو تحصيل الأموال عبر الامتيازات التي تمنح للنائب العراقي.

وأضاف لـ(باسنيوز) «كيف لشخص كان يقاتل وهو عسكري الترشح للبرلمان ليجلس ويشرع القوانين التي من المفترض أنها ستصب في صالح الشعب، ويراقب أداء الحكومة، هذا غير منطقي، وما يحصل في العراق هو خروج عن المنطق العقلي والسياسي بشكل كبير».

وتشير الإحصائيات إلى نصف سكان البصرة يعيشون تحت خط الفقر حيث يوجد نحو مليون و500 ألف مواطن تحت الخط، فيما يبلغ عدد سكان المدينة ثلاثة ملايين نسمة، لكن أرقام أخرى تشير إلى أن العشوائيات زادت العدد إلى 5 مليون