حسن فليح /محلل سياسي
بات تشريع العفو العام المطلب الشعبي الملح وتحتمه الظروف الحالية التي تمر بالبلاد ، ويشكل الضربة الحقيقية في مكافحة الفساد والمفسدين وفي واحدة من أهم مفاصله علماً لم يصدر عفواً عاماً بمفهومه القانوني الصحيح منذُ عام ٢٠٠٨ ولحد الان ، اما فيما يتعلق بالعفو الذي صدر في عام ٢٠١٦ لم يكن عفواً عاماً ، وانما كان عفواً مشروطاً بتنازل المشتكي ، ومن الخطأ ان يروج لهُ اعلامياً انه عفواً عاماً ، وبهذا الشكل لم تحافظ الدولة علىٰ هيبتها وخصوصية قرارها وبقىٰ اصدار القانون أسير اهواء ورغبات الفرقاء السياسين وتمسكهم بتكريس ثقافة ومفهوم المحاصصة ، من اجل الحفاظ على اكبر عدد ممكن من السجناء وعدم شمولهم بالعفو المذكور ، وسنوضح في مقالتنا هذه الاسباب والدوافع التي دفعت بالاحزاب الىٰ التوجه لاصدار مثل هذا العفو البائس والذي كان مجرد أسقاط فرض ليس ألا ، من المعروف ان الأوضاع الاستثنائية تحتم قرارات أستثنائية ، تعيد الامور الىٰ نصابها الصحيح ، بعد ان أفقدتنا الاستقرار المجتمعي والسلم الاهلي نتيجة للاوضاع الاستثنائية ولتي تسببت بتداعيات خطيرة علىٰ عموم مجتمعنا ، وان كثرة الدعاوي والمشاكل هي تحصيل حاصل للتدهور الذي اصابنا جميعاً ، وأن كثرة السجناء المحكومين وكثرة اعداد الموقوفين في مراكز الشرطة هي وليدة الوضع الاستثنائي الذي عاشهُ شعبنا ومنها الحرب علىٰ الارهاب والازمة المالية التي مرت بالبلاد واتساع رقعة الفقر وعدم ايجاد فرص عمل للشباب العاطلين وغياب وانشغال أولياء الامور بالحرب علىٰ الارهاب من خلال المؤسسات الامنية للدفاع عن البلاد ، اضافة لتفشي وباء كورونا ، جميعها كانت من العوامل الجدية التي ساهمت بالجنوح وارتكاب الجرائم وصدور الاحكام علىٰ شبابنا ، في ضل غياب الدور الراعي للشباب من قبل مؤسسات الدولة وحمايتهم بسبل وقائية تدعم عدم الجنوح والاحتراس من الوقوع بالاخطاء القانونية التي تجعلهم يواجهون صدور الاحكام ضدهم ، وهنا اود الاشارة وعلىٰ سبيل المثال ، الىٰ ضاهرة تفشي المخدرات بين مجتمعنا ، وعجز الدولة عن اتخاذ الاجراءات الكفيلة لحماية المجتمع الامر الذي راح ضحيتة الكثير من ابنائنا ، والدولة كانت بارعة فقط باللقاء القبض علىٰٖ المتعاطين وأيداعهم السجن ، ولم تكلف نفسها بالسعي علىٰ حماية الحدود وضبط الموردين الرئيسين لها وعدم السماح بدخولها ، وتفعيل الاتفاقيات الدولية والعمل المشترك بهذا الشأن ، اما بخصوص الدعاوي بالقضايا المالية فتلك مسألة محزنة وخاصةً عندما يتعلق الامر بالمقاولين والشركات وللذين راحو ضحية الازمة المالية لعدم صرف مستحقاتهم الامر الذي دفع بالمجهزين والمقاولين الثانوين الىٰ اقامة الدعاوي والشكوىٰ بالصكوك التي حررت لهم لضمان حقوقهم وهكذا واجهوا مدراء الشركات والمقاولين الرئيسين عقوبة السجن وباحكام متعاقبة وصلت بعضها الى اكثر من خمسة عشر عاماً مما تسبب بسحب العمل وجعل شركاتهم ضمن القائمة السوداء نتيجة لغيابهم عن ادارة مشاريعهم مما ادى الىٰ تلكؤها وعدم اكمالها ، كان من الممكن معالجة الامر باصدار قرار قضائي خاص بهذه المسالة ، يؤجل النضر بالدعاوي المقامة ضد المقاولين والشركات لحين صرف المستحقات ، وبذلك نحمي المشاريع من التلكؤ وعدم انجاز تلك المشاريع ونحافظ علىٰ سداد الدائنين ونحافظ علىٰ الشركات والمقاولين وعدم تدهور اوضاعهم ، والتي جائت بسب الازمة المالية التي حالت دون صرف مستحقاتهم ، السؤال لماذا لم تسطيع الدولة والبرلمان من اصدار العفو العام لحد اللحظه ؟ اعتقد الجواب يكمن أن السجون اليوم اصبحت مفسدة كبيرة لايمكن التخلي عنها من قبل الفاسدين بأعتبارها نقطة العسل الجاذبة للفساد وجني المال الغير مشروع ، حيث ان السجون الان هي السوق الواعدة لتجارة المخدرات وبيع الافلام الاباحية وبيع الصبيان وذلك يجري بمساعدة المشرفين والقائمين علىٰ تلك الاصلاحات التي هي الان بأمس الحاجة للاصلاح الحقيقي بمفهومة القانوني والانساني ، ناهيك عن موضوع اطعام النزيل ، فهنا الطامة الكبرىٰ ، الجميع يعرف هناك تخصيص مالي للاطعام النزيل بواقع ٩٦٠٠ تسعة الاف وستمائة دينار يوميا للنزيل الواحد ، في حين لم يصل الى النزيل من طعام وماء اكثر من ٢٥٠٠ الفين وخمسمائة دينار يوميا وفي افضل الحالات ، علما ان الطعام المقدم لهم لايصلح لأطعام الحيوانات ، وبعملية حسابية بسيطة نستطيع ان نتعرف علىٰ حجم الفساد في هذا الموضوع ، حسب تصريحات وزارة العدل هناك اكثر من ٦٥٠٠٠ خمسة وستون الف نزيل في جميع دوائر الاصلاح العراقية ، وهذا الرقم لايشمل الموقفين والمودوعين في مراكز الشرطة (وزارة الداخلية) وفي سجون الدوائر الامنية الاخرىٰ ، واللذين هم ايظا مشمولين بمخصصات الاطعام المذكورة ، ولينفترض وعلىٰ اقل تقدير ان هناك اكثر من ١٠٠ مائة الف بين موقوفين ومحكومين ومودوعين ومغيبين ، مائة الف مضروبين في ٧١٠٠ سبعة الاف ومائة هو الفائض اليومي المسروق من كل نزيل حسب المخصصات التي ذكرناها في مطلع حديثنا هذا يساوي الرقم ٧١٠٠٠٠٠ سبعة مليارات ومائة مليون دينار يوميا ، اي مايعادل ٢١٣٠٠٠٠٠٠ مئتان وثلاثة عشر مليار شهريا بواقع ٢٥٥٦٠٠٠٠٠٠٠ ترليونيين وخمسمائة وستة وخمسون مليار سنوياً ، ذلك فضلاً عن الفساد في موضوع الحوانيت ولتي تبيع الرز والمساحيق والالبان والسكر والشاي والبقوليات والاحتياجات الاخرى وبأسعار خيالية ، من هنا نتعرف على حجم الفساد في السجون ولماذا لايصدر العفو العام وتلك واحدة من المصدات التي تمنع صدور العفو العام بشكله الصحيح والواضح ، تلك هي المحاصصة السياسية سيئة الصيت التي دمرت البلد وكانت المنتجة الحقيقية للفساد والمفسدين ، الحل هو اصدار عفواً عاماً وشاملاً ، والعمل على تغير قانون العقوبات الجزائي ، والشروع بايقاف التعاقدات لتوريد الاطعام للنزلاء والمباشرة بتوزيع تلك التخصيصات الخاصة بالاطعام على النزلاء انفسهم شهرياً لكي تكون عوناً لهم في شراء ما يحتاجون من الحوانيت وتلبية طلباتهم ، ورفع المعانات عن اهاليهم ، والاشراف علىٰ الحوانيت وتفعيلها وانضاجها بشكل افضل لتوفير الحاجيات وبشكل مستمر وباسعار اقل من المتعارف عليها الان ، وبذلك حققنا ضربة للفساد في اسواء مفاصله وقدمنا المساعدة لذوي النزلاء ورفعنا عن كاهلهم اعباء الاهتمام بذويهم من السجناء ووفرنا الطعام بالشكل الذي يناسبهم وحسب رغباتهم وخاصةً اصحاب الامراض المزمنة وكبار السن ، ومن الضروري اتخاذ قرار توزيع مخصصات الاطعام على النزلاء الان ، علماً سيكون له الاثر الكبير وأحد اهم القرارات التي تساعد علىٰ اصدار العفو العام المنشود بعد ان يفقدوا الفاسدين والمنتفعين اهم عامل من العوامل المشجعة والدافعة لانتهاج السبل الملتوية للرفض والممانعة وخاصةً بعد تجفيف منابع الفساد التي تحول دون وضع العراقيل ولحجج للوقوف ضد تشريع قانون العفو العام ، ومن المؤكد سيجد القانون طريقة سالكاً لأقرارهِ .