أ. د احمد القطامين
بدأت المنطقة تدخل مجددا في عنق الزجاجة بعد سنوات من القتال الداخلي نيابة عن القوى الخارجية المتصارعة في عموم المنطقة. مع بداية عام 2011 كانت المنطقة تدخل في ذات المكان (عنق الزجاجة) فجاءت ثورات الربيع العربي واخرجتها منها لتدخل صراعا دمويا في الفضاء المفتوح استمر الى اليوم.
ومع تزايد المؤشرات العملية على ان حالة الصراع الدموي التي اعقبت ثورات الربيع العربي اخذت بالتلاشي شيئا فشيئا، اخذت امريكا واسرائيل بالتحسب للحالة الجديدة ووضعتا الخطط والتحضيرات لادخال المنطقة في عنق الزجاجة من جديد، وذلك بالفعل المباشر هذه المرة بدلا من المشاركة غير المباشرة بانابة قوى محلية واقليمية عنها كما حدث خلال السنوات الماضية في العراق وسوريا واليمن.
ادخال المنطقة من جديد في عنق الزجاجة يخلق حالة هائلة من التوتر يتبعها عادة الانقذاف الاجباري العنيف خارج عنق الزجاجة في الفضاء الرحب. ومع الغياب الكامل لخطط وقائية لحماية الامن القومي العربي الجماعي من قبل النظام الرسمي العربي، فان الحالة الجديدة ستتبع مسارات عشوائية بالغة الفوضى.
ونظرا للغياب الشامل لطليعة عربية مثقفة لقيادة التغيير وتوجيهه باتجاه مآلات آمنة، ستحدث تطورات غير متوقعة وقد تبدو غريبة وخارج السياق المنطقي لماهية الاحداث، منها مثلا تدخل المؤسسات العسكرية في الاحداث لمنع انهيار الدول وتغيير الطبقة السياسة الحاكمة.
لماذا هذا الخيار ممكن الحدوث؟
الجواب ببساطة يتطلب التمعن في الشكل الذي تتبلور من خلاله علاقات القوة على المسرح الدولي حيث لم تعد امريكا القوة الوحيدة المهيمنة، حتى قوة امريكا الناعمة سقطت بسبب سلوك الادارة الجديدة بقيادة الرئيس الامريكي ترامب الذي تمكن في سنته الاولى في البيت الابيض من عزل امريكا تماما حتى عن اقرب حلفائها الاروبيين بحيث لم يبق بجانب امريكا الا بعض الدول العربية واشباه دول في جزر عديدة حول قارة امريكا الشمالية.
ولنتذكر انه عندما كان العالم محكوم بقطبين في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان التغيير الممكن في دول العالم الثالث هو من خلال آلية الانقلابات العسكرية، وحيث ان العالم يتم تغييره الان الى عالم يحكم تطورات الاحداث فيه نظام دولي ذو قطبية متعددة، اذن ما الذي يمنع استعادة الظواهر التي كانت ممكنة في زمن عالم القطبية المتعددة السابق في ظل نظام الاستقطاب العالمي الجديد.
كان من الممكن القول ان المطلوب من النظام الرسمي العربي ان يسعى الى تغيير نفسه بحيث يقوم باصلاحات واسعة النطاق تتيح للمجتمع تداول سلمي للسلطة وتوزيع عادل للثروة، لكن ما يحول دون ذلك ان النظام الرسمي العربي اثبت مرة بعد اخرى انه غير قابل للاصلاح تماما.. وهذا مع الاسف سيفسح المجال الى بدائل جديدة قد تكون مكلفة جدا..