مقالات

عملية عفرين.. بين الضوء الأخضر والأبعاد المتقدمة

الدكتور محمد بكر
السقف العالي في خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتعلق بإطلاق عملية عسكرية في منطقة عفرين، وعدم التراجع خطوة واحدة، وأن المنطقة التالية ستكون منبج، هو مرتبط بتنسيق واضح مع الجانبين الروسي والإيراني، ولعل زيارة رئيسي الأركان والاستخبارات التركيين موسكو، والاتصالات المستمرة مع الجانب الإيراني، يدلل على التنسيق المسبق، إعلان الرئيس التركي أن العملية العسكرية في الشمال السوري ستنتهي قريباً، وربط القلق الإيراني من تطورات الشمال مع ما أعلنته وطالبت به طهران الجانب التركي بلعب دور بناء في العملية السياسية السورية، والإعلان التركي عن التحصل المسبق على موافقة روسية لما يحدث في الشمال، يشي عن اتفاق يتيح لأردوغان التدخل عسكرياً لفترة محدودة إلى حين انعقاد موتمر سوتشي في نهاية الشهر الجاري، مقابل موقف تركي يضغط على جميع الفصائل العسكرية السورية المعارضة للانخراط فيما تعمل موسكو علي تفصيله سياسياً في سوتشي.
اعتدنا على تحولات وعدم ثبات في الاستراتيجية التركية والسلوك السياسي الذي ينتهجه أردوغان في التعاطي مع جملة ملفات على مستوى المنطقة، مايهدد أي اتفاق يمكن أن يُستولد مع الجانب التركي، ولعل التنسيق مع الجانب الأميركي، واعلام البعثة الدبلوماسية الأميركية عن العملية العسكرية في عفرين، والحرص على عدم الصدام مع الجانب الأميركي في سورية، وان منطقة عمليات التركي خالية من أي تواجد للقوات الأميركية يدلل على “التوليفة” الحاصلة بين التركي والأميركي.
مايهدد المشهد السوري اليوم ليس فقط التدخل العسكري التركي في الشمال والذي وجد فيه الأسد عدواناً غاشماً على بلاده، ووصفته مصر بأنه تهديد للحل السياسي السوري، فيما رأت فيه طهران عملاً قد يعيد إحياء الفصائل المتطرفة في المنطقة، إنما أيضاً في السلوك السياسي الأميركي الذي وجد فيه يفغيني كروتيكوف فيما كتبه في فزغلياد، لجهة أن الأميركيين ينجحون في إيصال أي حرب محلية لطريق مسدود لسنوات طويلة باستخدام كل الوسائل المتاحة، دعم احد الأطراف المتصارعة ( أوكرانيا) أو كلا الطرفين معاً ( الحرب العراقية الإيرانية) أو دعم المتطرفين في ليبيا، وبطريقة غير معقدة في المناطق الكردية لإبقاء الصراع الداخلي السوري من دون حل.
الروسي اليوم في وضع لا يحسد عليه، وفي مهمة غاية في الصعوبة، ما بين القبول الضمني لتطورات الشمال، واحتمالية تجاوز التركي للضوء الأخضر الممنوح له، وبين استمرار الأميركي بالاستثمار بأوراقه في الميدان السوري ، وسياسياً قدرة مؤتمر سوتشي على استيلاد مخرجات سياسية نوعية.