مصطفى عطا الله
يجوبون الشوارع بلا هدف، يشبهون في تحركاتهم واستجابتهم لمحيطهم «الزومبي» الذين نراهم في أفلام الرعب، بأذرع ممتدة تقودها الجاذبية للأسفل، ورؤوس لا تمتلك القدرة على البقاء مرتفعة وعيون نائمة مستيقظة لا تلتفت لأيٍّ مما يدور بالجوار. الموتى الأحياء يجوبون شوارع الولايات المتحدة وأوروبا هذه الأيام، في ظاهرة تجسد أفلام رعب حقيقية.
عقار أطلقت عليه الصحف «الزومبي» يغزو المدن الأوروبية والأمريكية، سهولة الحصول عليه جعلته ينتشر في بعض المدن لدرجة زعم بعض التقارير أن 95% من الشباب المتسولين في مدينة مانشستر الإنجليزية يتعاطونه، والكثير منهم أصبحوا مدمنين بالفعل.
يتكون المخدر من مجموعة من المواد وليس مادة واحدة. تسمى هذه المواد «شبائه القنبين الاصطناعية المستثيرة للمستقبلات» ، ذلك أنها تمتلك تأثيرًا على أنواع خلايا مختلفة بالجسم، وليس خلايا الدماغ فقط. هذه المواد صممت لتحاكي التأثير النفسي المعروف للماريجوانا. حيث تغلق الماريجوانا بالأساس «مستقبلات الكانبينويد» في الدماغ.
تعمل المواد المخدرة للزومبي بنفس الطريقة، لكنها تعمل بقوة أكثر ألف مرة، بالإضافة إلى تأثيرات أخرى مختلفة تظهر في السلوك وحركات الأطراف اللاإرادية. لا يقف تعقيد المخدر عند هذه النقطة، لكن صنّاعه يقومون بتغيير المواد التي تضاف إليه قبل الخروج إلى السوق باستمرار، مما يؤدي إلى تغير مستمر في الأعراض والتأثيرات التي يسببها تناول المخدر.
على خطى ألفريد نوبل.. العلم عندما يصبح بالأيدي الخطأ
لم يكن يتخيل «جون هوفمان» أن تصبح التجارب التي أجراها في منتصف التسعينيات سببًا في إغراق المدن والأحياء حول العالم بالموتى الأحياء، أراد الرجل إجراء دراسة علمية تلقي الضوء على تأثير «القنب» على الدماغ البشري. كانت بعض المهام في بحثه تتطلب تصنيع مواد تشبه في تأثيرها بعض أنواع المخدرات الشائعة على الخلايا المستقبلات بالدماغ.
نجح هوفمان في تصنيع المادة التي خطط لتكوينها. وقد سمى هذه المادة «JWH-018» وقام بنشر نتائج بحثه شاملًا وصفًا تكوينيًا لهذه المادة في عدة ورقات علمية وضمنها في كتابه تحت عنوان «مستقبلات الكانبنويد» لتصمد مادته لبعض الوقت في الكتب والمصادر العلمية قبل أن تتحول فيما بعد إلى المادة الأساسية المكونة لمخدر شديد الخطورة ينتشر في أنحاء العالم. يقول هوفمان: «هل كان يمكن أن أتخيل هذا الأمر؟ لا. الماريجوانا وجدت لمئات السنين، تأثيرها معروف ولا يمكن أن تتسبب في مقتلك عند تناولها. لكنك قد تقتل نفسك بأشباه القنب الصناعية».
الزومبي
بدأ الأمر عندما أرسل إليه مدون ألماني مقالًا خبريًا عن مخدر جديد سُمي وقتها «سبايس» واعتبر هوفمان وقتها الأمر مزحة لطيفة من ذلك الشخص. بعدها بدأ هوفمان يتلقى المزيد من الأخبار عن النتائج الكارثية للعقار. أدرك هوفمان حينها أن هناك من قام باستخدام نتائج أبحاثه، لكن في الاتجاه الخاطئ. تلقى هوفمان في الفترات الأخيرة الكثير من المكالمات والرسائل التي تلومه بشكل مباشر على انتشار مخدر الزومبي، بعضها تحمله وفاة بعض الأقارب والأصدقاء نتيجة تناول العقار. يقول هوفمان آسفًا: «كانت أبحاثي لأجل الخير». يعيش هوفمان الآن منعزلًا في منطقة جبلية بولاية كارولينا الشمالية، يحاول إخفاء أرقام هواتفه ويطلب من الجامعة إخطار مراسلي المعامل الخاصة به بأنهم لن يتلقوا الرد بالمقابل.
اقرأ أيضًا: في مصر الحشيش يتراجع لصالح «الإستروكس».. ماذا تعرف عن المخدر الجديد؟
الإنترنت يجعل الأمور أسوأ
الإنترنت هو وسيلة التواصل الأهم في العصر الحالي، يجعل الأفكار أسرع في الانتشار. الأفكار الغريبة تنتشر بشكل أسرع، ربما كان هذا أحد أهم الأسباب التي ساهمت في الانتشار السريع لعقار الزومبي. يقول «أوليفر ساتكليف» المحاضر في «كيمياء الفارماكولوجيا النفسية» بجامعة مانشستر: «في عصر الإنترنت، الوصول إلى المعلومات أكثر سهولة. يتصيد صانعوا هذه المواد الكيميائية المصادر من أجل إنتاج مواد جديدة للسوق. وبسبب توقف الكثير من هذه المصادر والأبحاث، فإن فهم طريقة عمل هذه المواد وتفاعلها مع الجسم أصبح أكثر غموضًا» ببساطة يمكننا القول إن الإنترنت قد جعل الأمور أكثر سوءًا. يجب مضاعفة الجهود التي تبذلها الحكومات من أجل السيطرة على انتشار المخدر في ظل حالات الدعاية المجانية التي تقوم بها وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع.
في الوقت الذي تختلف فيه الوصفات والمكونات الموجودة بالأسواق، فإن عمليات الإحصاء الخاصة بضحايا هذا المخدر ستكون صعبة هي الأخرى. تنقل تقارير عن ضحايا المخدر في عام 2015 احتمالية تسبب المنتجات المشتقة عن المخدر في وفاة 204 شخص في المملكة المتحدة فقط، وهو الرقم الذي يزيد بنسبة 25% عن العام 2014 حيث قضى 163 شخصًا نحبهم فقط جراء تناول هذا المخدر.
العقار وفانتازيا الـ«سوبر هيرو»
يشبه العقار في تأثيره مادة الكوكايين، فهو يحفز العناصر المسئولة عن الشعور بالاسترخاء، كما أخبر الكثير من مستخدميه عن بعض التأثيرات المشتركة مثل حالات الإغماء وفقدان الوعي، والفقدان المؤقت للذاكرة وزيادة معدل خفقان القلب والارتعاش وزيادة نسب التعرق. هذه الأعراض تجعل متناوله يشبه بشكل كبير الشخص المدمن على المواد المخدرة التقليدية. يعمل المخدر على تنشيط بعض المستقبلات التي تتواجد بمناطق مختلفة من الدماغ، فتتسبب بهذه المجموعة الكبيرة والمتنوعة من التأثيرات. هذه التأثيرات السيئة قد تطال الجهاز التنفسي والقلب والجهاز الهضمي.
كذلك كانت أكثر التأثيرات إثارة هي القوة الاندفاعية للأشخاص الذين يتناولون المخدر. فقد أظهرت مقاطع فيديو بعض الأشخاص يقومون بالاندفاع نحو الجدران الإسمنتية وهياكل السيارات الثابتة والمتحركة ليصدموا بها رؤوسهم. نشرت مصادر أخرى تأثيرات إضافية تتمثل في تعرض المتعاطي لهلوسات مختلفة، والشعور بالنشوة وكذلك الشعور بانعدام الوزن.
ربما سيحتاج الكشف عن كل التأثيرات والأعراض الناتجة عن هذا العقار المزيد من الوقت، لكن المؤكد فيما يبدو عبر المقاطع المنتشرة هو أن الأمور تبدو وكأن الشخص يفقد عقله، فالبعض يركضون ويجوبون الشوارع عراة تمامًا، والكثيرون يعرضون أنفسهم لمخاطر كبيرة قد تفقدهم حيواتهم بشكل لا يبدو فيه القدرة على التفكير في أي نتائج منطقية للأفعال.
اقرأ أيضًا:القصة الحقيقية لـ«زُومبي»: قائد ثورة تحرير العبيد ضد الاستعمار البرتغالي
لا تمتلك المال للهيروين والكحوليات؟ إليك مخدر الـ«الزومبي»
حول الأسباب الأولية لهذا الانتشار الكبير لهذا المخدر، تظهر بعض العوامل التي رصدتها محاولات مراقبة انتشار المخدر. كانت أهم أسباب انتشاره بين فئات الشباب هو السعر الرخيص والتأثير بالغ القوة. كذلك معدل تغير مكونات المخدر السريع، الذي يعطي لمتعاطي المخدر تجارب متغيرة ومثيرة في كل مرة يتناوله فيها.
يحذر مسئولون حكوميون في المملكة المتحدة من أن هذه العوامل قد جعلت نسب تعاطي هذا المخدر ترتفع بشكل كبير في العامين الماضيين. بينما يقول «توني لويد» مفوض شرطة مدينة مانشستر: «هذا العقار رخيص ويتغير طيلة الوقت. العقار الذي نراه اليوم ليس هو نفسه ما سنراه غدًا» هذا الأمر يضع المزيد من الأعباء على قوات الشرطة في السيطرة على انتشاره، كما سيزيد الضغط على الجهود الصحية لمواجهة الآثار المتغيرة لمسبب دائم التغير بدوره.
الزومبي
هذه الحقائق حول هذا المخدر جعلت أكثر الطبقات معاناة منه هي طبقات الشباب والفقراء الذين يقطنون الشوارع، كذلك لا يمكن تغافل تأثير تواجد مثل هذا العقار في بلدان العالم الثالث التي يحكمها الفقر، ليكون سلاح رخص ثمنه هو ما يجعله الأكثر انتشارًا بين كل المواد المخدرة، إلا أن تأثيره والأضرار الناتجة عنه ستكون أسوأ مع كل تغير في مكوناته. هذه النقطة تنقلنا إلى مساحة أخرى من الخطورة التي يتسبب بها هذا العقار لمتعاطيه، إنها الآثار التي تصنع من الإنسان نوعًا جديدًا من الكائنات القادمة من أفلام الرعب الكلاسيكية.
إن لم تكن قد جربت تعاطي المخدرات أبدًا، فإن بعض تلك التأثيرات قد تعقد من تفهمك لأسباب تناول الناس لمثل هذا العقار. لمحاولة تقريب الأمر، يحاول أشخاص لهم خبرة مع بعض تلك المواد تقريب الأمور،فيصف أحدهم تأثير العقار قائلًا: «المخدر يجعل الساعات تمر كأنها دقائق، والأيام تمر كأنها ساعات، والشهور كأنها أيام. عندما تضيف هذا إلى حالة الشعور بالسعادة الغامرة والغياب الكامل عن الوعي لساعات، يمكن أن تتفهم كليًا لماذا في ظروف قاسية يرى الخلاص في مثل هذا المخدر».