سعد ناجي جواد
في الوقت الذي جاء فيه رد الفعل الشعبي العربي المشرف، وخاصة الفلسطيني، وكذلك رد الفعل الرسمي العربي الفاتر على قرار الرئيس الامريكي كما هو متوقعا، فان الموقف الأوربي من هذا القرار قد ظهر عكس بعض التوقعات حسب راي الكثير من المتابعين.
نعم لقد كان قرار الرئيس الامريكي غير المطلوب ليس استفزازيا فقط، وانما اكثر من ذلك فانه جاء ليمنح اسرائيل وبصورة مجانية شيئا او نصرا لا تستحقه، ولا ينسجم مع تعنتها وعدم استجابتها او احترامها للحقوق الفلسطينية المشروعة والتي تغتصبها كل يوم ، وبدون اي مقابل من قبل اسرائيل حتى في مجال الاعتراف بحق الفلسطينين في إقامة دولتهم على جزء من ارض فلسطين وهي الاراضي التي أُحتُلَت عام ١٩٦٧. ولا ادري ولا غيري يدري كيف سيكون هناك صفقة أمريكية لحل المشكلة المتعلقة بالحقوق الفلسطينية والتي يروج لها السيد ترامب ومؤيديه من الساسة الأميركان والعرب، ( والتي يطلقون عليها تسمية صفقة القرن)، بعد هذا التنازل. ولا كيف يعتقد السيد ترامب بانه ودولته ، لا يزالان الطرف المؤهل و المحايد والقادر على طرح المبادرات التي يمكن ان تجد حلا لمشكلة مثل مشكلة الصراع العربي-الاسرائيلي. ان جهة بهذا الانحياز التام، بل والمتطرف بصورة عمياء، لطرف واحد وبهذه العنجهية بالتأكيد لن تكن قادرة على طرح مبادرات مقبولة او رعاية مفاوضات او حتى حوارات بسيطة بناءة بين الطرفين، اللهم الا اذا كانت السلطة الفلسطينية مستعدة للقبول بحل او مقترحات مذلة ولا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني.
مقابل هذا فان رد الفعل الأوربي وخاصة من قبل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرهم، والذي رفض قرار اعتبار مدينة القدس العربية عاصمة ابدية لأسرائيل، حسب تعبير السيد ترامب في بيانه الذي اثار الاستهجان لكل ذي حس وطني او انساني، ورفض ايضا الحذو حذوه، هو امر حسن . ولو انه لابد وان يثير عدة تساؤلات. التساؤل الاول هو هل ان هذا الموقف يمثل صحوة ضمير متاخرة او شعور متاخر جدا بالندم على ماقامت به الدول الاوربية، وخاصة بريطانيا وفرنسا، في مجال العمل على إقامة اسرائيل على الاراضي الفلسطينية، وتقديم كل الدعم لها في اعتداءاتها على الفلسطينين والدول العربية، والوقوف ضد ادانة تصرفاتها وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني والشعب العربي في الدول المجاورة، ان كل الدلائل تشير الى ان سياسات هذه الدول تجاه القضية الفلسطينية بالذات لم تصل الى هذه المرحلة المتقدمة من الانسانية والعقلانية والحيادية والموضوعية التي تؤهلها لاتخاذ مثل هذا الموقف. وان التفسيرالوحيد والمعقول لهذا الموقف هو ان هذه الدول قد ضاقت ذرعا بسياسة وتخبطات إدارة الرئيس ترامب، وعدم احترامه لحلفاء الولايات المتحدة من الاوربيين او التشاور معهم اولا، وثانيا ولان هذه الدول وبسبب من وجود سياسين خبراء محنكين ومتمرسين في مجال عملهم وفِي مجال السياسة الدولية، وفِي ظل تصاعد وانتشار الارهاب العالمي، وفي ظل توقع تصاعد عمليات العنف التي ستشهدها المنطقة العربية، بل والعالم نتيجة لهذ القرار الخطير وغير المدروس والذي يفتقد للحكمة، ارادت ان تُظهِر بأنها تنأى بنفسها عنه خشية على أمنها القومي ومصالحها الوطنية.
ومع كل ما قيل أعلاه، و مع الإيمان بان التجارب التاريخية والمعاصرة قد علمتنا ان انهاء اي احتلال او إصلاح اي موقف دولي او إقليمي خاطيء لا يمكن ان يتم الا اذا امتلك الطرف المعتدى عليه القوة الذاتية الكفيلة بإنجاز ذلك، الا ان العرب يستطيعون في هذه المرحلة الاستفادة من الموقف الأوربي هذا، اذا ما نجحوا في تطويره عن طريق الضغط الشعبي والدبلوماسي لكي يصل الى حد الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما صرحت بعض الدول الاوربية بذلك، وان تقام علاقات دبلوماسية مكتملة مع هذه الدولة الفتية حتى وان كانت لاتزال تحت الاحتلال الاسرائيلي. وبما ان الموقف الرسمي العربي ، سواء كان موقف الحكومات العربية او الجامعة العربية، لا يمكن ان يقوم بهذا الدور، فان البديل الوحيد المتوفر هو الضغط الشعبي لاقناع الدول الاوربية لاتخاذ مثل هذه الخطوة. ان مثل هذا الموقف سيكون الاختبار الحقيقي للدول الاوربية لإثبات صحة او كذب نواياها، كما سيكون بمثابة الفرصة الوحيدة لهذه الدول للتكفير عن خطاياها الكثيرة جدا تجاه فلسطين اولا والامة العربية ثانيا.