مقالات

الموقف الروسي من ازمة السلاح لكوريا الشمالية

محمد افندي اوغلو
من البديهي ان نتذكر ان لروسيا علاقات متينة مع كوريا الشمالية تعود الى الحقبة السوفيتية ورغم اختلاف وتغيير الايدلوجيات للبلدين الا ان استمرار العلاقات الجيدة كانت هي السمة السائدة بينهما.
رغم اختلاف وجهات النظر بين الفرقاء الاوربيين والامريكين حول السبل الكفيلة لايقاف
عجلة التجارب الكورية واعتمادها شتى أنواع العقوبات والتلويح بأستعمال القوة في ردع كوريا الشمالية , الا ان الروس منذ بداية الازمة قد حاولوا مبكرا الى الدعوة الى اجراء مفاوضات مباشرة وغير مباشرة لغرض التخلص من أسلحة الدمار الشامل لكوريا الشمالية وأيقاف كل التجارب وحتى الى تدمير تلك الأسلحة.
ان الموقف الروسي من الازمة الكورية يشبه الى حد بعيد موقفها من التجارب النووية الإيرانية فقد راهنت على ان الغرب وأمريكا سيرضخون عاجلا ام اجلا الى حل تلك الازمة بالمفاوضات المباشرة , فقد دعت مرارا وتكرارا الى اعتماد منهج المفاوضات المباشرة بين الأطراف الاوربية والأمريكية مع طهران , رغم المعارضة الامريكية وبعض من الدول الاوربية لتلك النداءات في البداية , ألا ان الأمريكيين انصاعوا الى طريق المفاوضات وماسمي بمجموعة خمسة زائد واحد.
وبالنظر الى ان الازمة الكورية مع الامريكان قد تعدت التهديدات العسكرية الى السخرية والكلام اللاذع على اعلى المستويات وخصوصا بين الزعيم الكوري والرئيس الأمريكي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي أيضا فأن وزير الخارجية الروسي شبه الحرب الكلامية الدائرة بين ترامب وكيم جون بشجار في روضة الأطفال بعد ان حاول الطرفان اظهار خصمهما بجالة ضعف وهوان وكما وصف الزعيم الكوري للرئيس الأمريكي ترامب بانه مختل ذهنيا وكهل بعد تهديده لكوريا بالتدمير وبنفس الصيغة رد ترامب لكيم جون بالرجل المجنون.
ومن هنا بدات روسيا بالتقليل من شدة خطورة تطور الوضع في الجزيرة الكورية بتعليلها الرسائل الهامشية بين الزعيمين , إضافة الى ان الروس يعرفون ادراك الأمريكيين لخطورة الولوج في المستنقع الكوري خشية من تداعياتها الكبيرة بسبب معارضتها هي والصين لتلك الخطوة.
ورغم الاختلافات الجوهرية في قضيتي ايران وكوريا الشمالية من الناحية الاستراتيجية العسكرية باعتبار ان الكوريين قد استنفذوا بعضا من تجاربهم ومستمرين في اجراء تجارب أخرى تزيد من خطر أسلحتها بعكس ايران التي يبدو انها كانت في بدايات تجاربها الاستراتيجية او تمهد بصورة فعلية لتلك التجارب , لكن تبقى المسالة الأعظم التي تسعى اليها معظم دول العالم هي الحد من انتشار تلك الأسلحة وبالتالي الى خلق عالم بلا أسلحة نووية واسلحة الدمار الشامل.
ومما يؤرق الامريكين ان دولتين حليفتين لها أصبحت الان تحت مرمى الصواريخ كوريا الشمالية بشتى أنواعها وهي كوريا الجنوبية واليابان.
ورغم ان سياسي كوريا الشمالية ليسوا بالقدر الكافي والذين يؤهلهم الى لعب دور الثعلب في قضيتهم مثلما لم تكن لهم أوراق اقتصادية هائلة تمكنهم من التاثير على السياسة الدولية اقتصاديا كأيران التي تعمدت الى ابراز مسألة حاجتها الى الاعماروالاستثمارو تواجد الشركات العالمية داخل أراضيها مما اثر بشكل إيجابي جدا في سحب الأطراف المتنازعة معها الى طاولة المفاوضات , نرى ان نظام كوريا الشمالية تعمدت الامبالاة للتصريحات النارية التي كانت تطلقها الحكومات الغربية والأمريكية بل الأكثر من ذلك سعت الى طمس معالم اية تجربة وتنديد غربي بتجربة متلاحقة وكانها في سباق مع الزمن للوصول الى هدف معين من شانه ان توقف المزيد من التهديدات والاحتكام الى الامر الواقع مما يؤثر بصورة إيجابية في رضوخ تلك الدول الى منطق التفاوض معها وحسب وجهة نظرها , وقد عبرت عن تهديدات الدول الغربية والأمريكية لها بالنباح بصوت عالي وكما صرح به وزير خارجية بيونغ يانغ في وقت سابق.
ان روسيا التي تدعم مبدأ المفاوضات الدولية مع كوريا الشمالية على شاكلة المفاوضات مع طهران بقصد ابعاد الهيمنة الامريكية في شرق اسيا وخصوصا بعد ورود تلميحات مؤكدة من واشنطن بانها ستتوقف عن اجراء مناورات عسكرية مشتركة مع كوريا الجنوبية في حال توقفت كوريا الشمالية عن اجراء تجاربها العسكرية , ترى ان الفرصة المؤاتية لها في سبيل وصولها الى الرقم الأول في اقتناص زمام المبادرات الدولية قد حل الان وخصوصا بعد سعي الصين الى لعب دور متوازن ومتكافئ ومؤازر , وقد عبر بعض المحللين بان الصين هي اهم دولة الان وبامكانها اقناع واشنطن ببدء حوار مع بيونغ يانغ في الوقت التي باستطاعة موسكو لعب دور الوسيط بسبب علاقاتها الجيدة وربما المتميزة مع كوريا الشمالية , ولان العلاقات الصينة مع روسيا لم تكن في يوم من الأيام بهذه الدرجة من القوة والمتانة , فالدولتان يسعيان الى تحجيم الدور الأمريكي في منطقة جنوب شرق اسيا تحديدا ومن ثم في معظم قارة اسيا مستقبلا . والروس من ناحيتهم مطمئنين الى السياسة الصينية التي استبدلت الغزو العسكري بالغزو الاقتصادي ولا ترى اية فائدة من بناء قواعد عسكرية او توسعات استراتيجية في خارج نطاق حدودها بعكس الروس الذين لازالوا يرون ان الحرب الباردة لم تنتهي يوما مع الامريكان ..