مقالات

الهدف المقبل لليمين الإسرائيلي: الجهاز القضائي

أسعد تلحمي
في ظل التطرف اليميني المتصاعد في الشارع الإسرائيلي والشعور المتعزز لدى معسكر اليمين المتطرف بأنه يعيش فترته الذهبية، تبدو تحذيرات رئيس المحكمة العليا السابق البروفيسور أهارون باراك من احتمال تدهور النظام الديموقراطي في إسرائيل إلى الهاوية حيال سلوك الحكومة الحالية، كأنها تقع على آذان صمّاء، إذ قوبلت باستخفاف من وزيرة القضاء أييلت شاكيد، ممثلة حزب المستوطنين «البيت اليهودي» الذي اشترط الانضمام إلى الحكومة بتولي هذه الحقيبة المهمة لتحقيق مشروعه القديم: تقليص صلاحيات هذه المحكمة «المزعجة».
 
وبعد أن أحكم اليمين قبضته على الكنيست الحالي ليسنّ جملة قوانين عنصرية جديدة، يرى معسكر اليمين أنه آن الأوان لتنفيذ المشروع الأكبر الذي يحلم به منذ سنوات كثيرة: تكبيل يدي المحكمة العليا ووقف ما سمي قبل أكثر من عقدين «الثورة الدستورية»، وذلك من خلال تعيين قضاة جدد محسوبين على التيار المحافظ.
 
ويتهم اليمين المحكمة العليا بالتدخل في قضايا ليست لها وبـ «التمادي» مثل إلغاء قوانين سنّها الكنيست وتراها المحكمة «غير دستورية». لكن التهمة الأخطر، غير المستندة إلى حقائق ووقائع جدية، هي أن المحكمة تناصر الفلسطيني الذي يتوجه إليها مشتكياً من ممارسات الاحتلال أو المستوطنين، أو بكلمات أقطاب هذا المعسكر بأن المحكمة نصّبت نفسها حامية لحقوق الإنسان، من دون أن يخولها القانون ذلك.
 
لقد سبق أن أصدرت هذه المحكمة أحكاماً تؤشر فعلاً إلى اهتمامها بحقوق الإنسان الفلسطيني، على جانبي «الخط الأخضر»، لكنها فعلت ذلك في مناسبات متباعدة. في المقابل، فإنها تفادت الخوض في مسائل كثيرة كانت فيها ممارسات الاحتلال أشد قمعاً وظلماً، ورفضت غالبية الالتماسات التي قدمها فلسطينيون تطعن في دستورية قوانين تنال من حقوق الفلسطينيين (قانون لمّ الشمل، مصادرة أراضٍ وغيرها). وأكثر من هذا، فقد رفضت الرأي القانوني لمحكمة العدل العليا في لاهاي، في العقد الماضي الذي اعتبر الجدار الفاصل الذي اخترق الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وسوغت موقفها باعتبارات أمنية أكثر من كونها قانونية كما فعلت في قضايا كبيرة سابقة.
 
لكن ذلك لا يُشبع رغبات سدنة اليمين الذين يبحثون عن تشريع رسمي لقصقصة جناحي المحكمة في شكل رسمي تحت طائل مبدأ «فصل السلطات»، فيعملون على حصر دور المحكمة في تفسير القانون، لا في النظر في قضايا تخص السلطتين التنفيذية والتشريعية.
 
ويتذرع عدد من قادة اليمين بأن المحكمة العليا أخذت لنفسها دوراً ليس منصوصاً عليه في أي قانون وأنها استغلت غياب دستور في الدولة العبرية وباتت تحكم على هواها، معتمدةً «قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته» من عام 1992 الذي ترى فيه المحكمة «دستوراً بديلاً» يضمن حريات الفرد والمواطن، فيما يراه اليمين «أساس الشر» الذي اعتمدته المحكمة لتلغي 11 قانوناً عادياً للكنيست.
 
أما صمت أحزاب المعارضة حيال مساعي الحكومة للنيل من مكانة الجهاز القضائي، فلا يمكن تفسيره سوى أنه موافقة ضمنية من حيث المبدأ، فهي الأحزاب ذاتها التي شرعت عشرات القوانين العنصرية ولم تفعل شيئاً لوقف هذا المدّ، وهي التي تدرك أن الديموقراطية بلا حقوق إنسان ليست ديموقراطية، وأنه في غياب دستور رسمي (بسبب الخلاف حوله بين اليهود العلمانيين والمتدينين) فإن القول الفصل يجب أن يبقى بيد الجهاز القضائي.
 
وفي حال واصلت المعارضة، وتحديداً الأحزاب التي تدعي أن حقوق الإنسان في سلم اهتماماتها، صمتها أو لامبالاتها فسيواصل اليمين الاعتقاد بأنه في وسع منتخّبي الجمهور (بصفتهم أعضاء السلطة التسريعية) أن يفعلوا ما يحلو لهم، بما في ذلك اللجوء إلى الاستقواء والقوة، وإذا لم تنفع فإلى مزيد منها. أما الضحية الرئيسية فستكون، كما كانت حتى الآن، الأقلية الفلسطينية في الداخل والفلسطينيون في أراضي عام 1967 الذين يحسون على جلودهم آثار هذا الاستقواء، في غياب من يحميهم.