احمد صبري
”.. أمام مقاطعة الانتخابات والمشاركة فيها ومحاولة الخروج من المأزق الطائفي الذي بات هو المعيار الذي يحدد بوصلة الانتخابات المقبلة واتجاهاتها، فإن الحل رغم محدودية تحقيقيه يكمن في رافعة وطنية عابرة للطائفية ولاؤها للوطن ودولة المواطنة يحكمها القانون وتسودها العدالة تتمتع بها المكونات العراقية على مستوى واحد في الحقوق والواجبات…”
يتساءل العراقيون الذين ينتظرون الانتخابات الخامسة بعد غزو العراق واحتلاله عام 2003 عن جدوى المشاركة بها إذا كانت تعيد تدوير الوجوه نفسها التي تتداول على حكم العراق من دون أن تحقق ما يتطلعون إليه من أمن واستقرار، ووقف نهب أموالهم من قبل لصوص يستندون إلى مراكز قوى توفر لهم الملاذ الآمن لحمايتهم من الملاحقة القانونية؟!
وفشل الطبقة السياسية في إدارة شؤون العراق على مدى خمس عشرة سنة الماضية زادت من أزمات العراق، وعمقت الخلاف بين أبنائه، وأبقت العراق في المربع الأول دون أمل بالخروج من هذا النفق المظلم.
وإزاء هذا المشهد الذي يزداد قتامة ما هو الحل؟ وكيف يخرج العراق من محنته؟
ونزيد هل المشاركة بالانتخابات كفيلة بإصلاح ما أفسدته الطبقة السياسية الحاكمة؟ أم أن شعار نعم للتغيير كلا للتدوير سيجد طريقه على أرض الواقع ويحدث ما يصبو إليه العراقيون؟
وقبل أن نستغرق بالتفاصيل فإن خيار مقاطعة الانتخابات يتسع ويجد صداه حتى لدى جمهور القائمين على الحكم، ناهيك عن قطاعات كبيرة للمعارضين من فرط بخيبة أملهم جراء الأداء الفاشل لهم في تحقيق مطالبهم.
ونتساءل أيضا: هل مقاطعة الانتخابات خيار متاح ويحقق أغراضه في مرحلة تحتشد القوى المهيمنة على القرار السياسي وأجنحتها العسكرية استعدادا لمواجهة أي محاولة جادة للتغيير المطلوب عبر التخندق الطائفي والعرقي، وهو الخيار الذي منحهم الغطاء الشرعي طيلة السنوات الماضية عبر شعار حقوق الأغلبية التي حرمت من استحقاقاتها التاريخية طيلة القرون الماضية؟
وأمام مقاطعة الانتخابات والمشاركة فيها ومحاولة الخروج من المأزق الطائفي الذي بات هو المعيار الذي يحدد بوصلة الانتخابات المقبلة واتجاهاتها، فإن الحل رغم محدودية تحقيقيه يكمن في رافعة وطنية عابرة للطائفية ولاؤها للوطن ودولة المواطنة يحكمها القانون وتسودها العدالة، تتمتع بها المكونات العراقية على مستوى واحد في الحقوق والواجبات، يرافقها مصالحة تاريخية تبدد مخاوف قوى تعرضت للظلم والتهميش والإبعاد والقتل والتهجير عبر قوانين غير إنسانية واجتثاثية حان الوقت لرفعها وإبطالها؛ لأنها إحدى الاشتراطات الواقعية لتحقيق السلم الأهلي ومتطلبات المصالحة.
ونزيد أن ما يحقق النجاح لأي محاولة لإخراج العراق من نفقه المظلم وانتشاله من واقعه هو الإقلاع عن سياسة الثار واجترار الماضي البعيد وتحويله سلعة متداولة للحاضر.
فمن دون الاستجابة لهذه الهواجس والمتطلبات سيبقى العراق متداعيا وغير قادر على النهوض وتخطي حاجز الخوف والفشل رغم أنّ الذين يشهرون سلاح الماضي البعيد المختلف عليه ليحزوا رقاب الآخرين بجريرة ما حدث في القرون الماضية قد فشلوا في إدارة شؤون العراق، وبددوا أمواله وقدموا نموذجا مشوها، وفتحوا الأبواب مشرعة لتدخل الآخرين في تقرير مصيره، فتحول العراق بسببهم إلى ساحة يتبارى على أرضه الطامعون في خيراته وتسبب الشحن الطائفي إلى بقاء العراق متخلفا وفاشلا دفع بسببه العراقيون أنهارا من الدماء الزكية.
وأخلص إلى القول إن المشاركة بالانتخابات أو مقاطعتها ليست هي الحل، ولا هي الخيار المطلوب، وإنما الحل يكمن بالاعتراف بحقوق المكونات كاملة غير منقوصة، والتخلي عن هواجس الماضي البعيد ترافقها تنازلات متقابلة ومتوازنة تكون أرضية لمن يريد أن ينهض من جديد ويبني العراق مجددا ليعود قويا موحدا مزدهرا تسوده العدالة ويحكمه القانون، وبخلاف ذلك تبقى الانتخابات محاولة لتدوير نفس الوجوه التي ضاق بها العراقيون ذرعا.