مقالات

ما اللعبة التالية التي يحضرها التحالف السعودي الإماراتي لمدينة عدن؟ وهل ما يجري جزء من الإرهاصات في طريق الانفصال والتقسيم الوشيك؟ وكيف لجأ إليها التحالف كتكتيك لتغطية عجزه في الحسم العسكري؟

 
عبدالخالق النقيب
لازالت التباينات تتجذر على نحو أعمق بين فرقاء عدن ، وتقود الفرضيات المحتملة إلى نشوب صراع أوسع في العاصمة المؤقتة التي يفترض أن اللعب في ساحتها ممنوع ، وأن أي طلقة بين الحلفاء المحليين هو في الأساس تقويض لجهود التحالف السعودي الإماراتي الذي يخوض حربه في اليمن منذ ثلاث سنوات ، ويستميت في القتال بجيوشه وجيوش حلفاءه لإعادة الرئيس هادي وحكومته المعترف بها دولياً إلى الحكم من صنعاء ، غير أن قوات التحالف العسكري أخفقت في الوصول إلى العاصمة الدائمة ، وتبدو اليوم أبعد ما يكون عنها ، برغم كل التهويمات التي يتم تسويقها إعلامياً ، إذ أن التحالف على مدى ثلاث سنوات حرب لا يمتلك نواة لأي انتصار محتمل ، وأن إرثاً ثقيلاً من الفشل والإخفاق يكبل التحالف ، ويتفاقم بعجزه في تطبيع الحياة داخل المدن والمحافظات التي باتت تحت سيطرتها ، علاوة على ءنه فقد قدرته في الحيلولة دون حدوث صدام بين حلفاءه من الفصائل والتكوينات المسلحة والعسكرية التي تستلهم كل أشكال الدعم اللوجستي والإعلامي والعسكري من طرفي التحالف «السعودية والإمارات» ، وتركها تتراكم حتى أخذت المواجهات ذاتها تتكرر وتتطور إلى معارك دموية عنيفة كالتي دامت ثلاثة أيام مطلع الأسبوع الحالي ، واشتدت وتيرتها على نحو تحولت فيه مدينة عدن إلى ساحة حرب واشتباك مفتوح ، وبدلاً من تدخل سريع للتحالف لإيقاف النزيف في صفوف حلفاءها ورفع راية الشرعية وإعادة تثبيتها ، والبدء بإنهاء حالة الانفلات واحتواء رقعة الاضطراب التي تتسع في شوارع المدينة ، تماهى التحالف السعودي الإماراتي مع ما يجري وخلق من وضع المدينة سيناريوهات بديلة لمرحلة جديدة شديدة الغموض والتعقيد .
– إضعاف رموز الشرعية
التقدم العسكري الذي أحرزته قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المسنود إماراتياً في المعارك الأخيرة ، كان بمثابة رسالة أعادة رسم التوازنات العسكرية والسياسية ، ووضحت سقف التحركات التي يجب أن تمارسها الشرعية في المرحلة المقبلة ، ولاحقاً سيكون الصوت الأعلى هو للواء عيدروس الزبيدي محافظ عدن المقال ، ورجل الإمارات الأول وزعيم المجلس الانتقالي الجنوبي ، الذي لا تسأم خطاباته من التذكير بأن لديه شارع يرتهن لتحركه وأن قدرته على الاحتمال باتت محدودة أمام تمادي وفساد حكومة الشرعية التي يرأسها الدكتور أحمد بن دغر «رمز الشرعية وحضورها في عدن» بحسب ما يردده إعلام الزبيدي ، وخلال الـ48 ساعة التي حددها مكتب هادي لإعلان قرارات رئاسية وصفت بالمهمة والتوافقية ، يجري تحويل بن دغر إلى كبش فداء يذبح على ضفتي الصراع ، بعد أن أخذ الرجل «بن دغر» يتماهى هو الآخر مع وضع رديئ يمضي في تجريده من أي نفوذ حقيقي يمكنه من مواجهة خصومه ، على اعتبار أن ما يجري ضمن إرهاصات واسعة تسعى لتصدير بديل سياسي آخر بركائز جديدة ، سيما والتحالف السعودي الإماراتي يحضر اليوم في عدن بوفد عسكري وأمني رفيع ، تم إيفاده إلى المدينة في وقت متأخر من مساء الأربعاء الفائت ، وفي جعبته بنود وساطه تبدو الشرعية فيها أضعف الحلقات.
– حياد المملكة جزء من السيناريو المرتب
السعودية التي تتزعم التحالف لا تحتاج أن ترسل أي قوات عسكرية لتمنع تقهقر الشرعية في عدن ، هي معنية بإظهار سخطها الجدي فقط إزاء ما يُصنع بالشرعية التي تدافع عنها ، وسينتهي الأمر ، فلا يمكن أن تكون محايدة أمام أحداث دراماتيكية يشارك فيها طيران عسكري إماراتي يمهد الأرض ويهيئ لحلفاءه في المجلس الانتقالي الجنوبي إسقاط الشرعية وإسقاط معسكراتها في العاصمة البديلة ، وعقب كل مواجهة يتم التمادي في امتهان الشرعية على يد الذراع العسكري المسلح وتشكيلاته التابعة للانتقالي الجنوبي ، التي باتت تسيطر على معظم مدن العاصمة ومنشآتها الحيوية ، ما يعزز أن ثمة فرضية لصيغة جديدة يتم طباختها وتحضيرها لمدينة عدن على سخونة أكبر ، وأن ما يجري ليس له أن يتم إلا برضى سعودي ، وهو الأمر الذي لا يحتمل التخمين ، فلا أحد في التحالف يتجه لضمان تسوية فعلية تنهي أسس المشكلة ، فالخلاف هو نفسه الذي تم طرحه على طاولة اللجنة الثلاثية «التي يرأسها اليمن وتشترك فيها السعودية والإمارات» قبل عام وتصدر مهامها ، عقب صراع الحلفاء المحليين على مطار عدن والتنازع على إدارته .
– الفصائل لا تستطيع تجاوز رغبة التحالف
لا أحد من التكوينات والفصائل العسكرية والمسلحة سواءاً التابعة لما تبقى من جيش نظامي ، أو تلك القوات التي تم تسليحها للعمل تحت قيادة المجلس الانتقالي ، تحمل صفة اعتبارية تملك قرارها بإرادة ذاتية ، أو يمكنها التصرف خارج التفاهمات السعودية الإماراتية ، فضلا عن أنها خضعت لتدريبات عملت على ترويضها لضمان سرعة استجاباتها لسلسلة طويلة من الحسابات المتداخلة التي لا علاقة لها بما أعلنته عاصفة الحزم في آذار مارس 2015 ، ومن المستحيل أن تجازف بخوض صدام مسلح في شوارع عدن التي يتخذها التحالف عاصمة مؤقتة ، ورمزية مساندة لشرعية الرئيس القابع في منفاه بالعاصمة السعودية الرياض وحكومته المشردة والمضطهده ، ما يعني أن دماء أبناء عدن التي تسيل على أرض المدينة هي بضوء أخضر ، وتوجه تتبناه الرياض وأبوظبي ، وثمناً أيضاً لتعارض أهدافها وانقسام معسكرها في الجنوب ، بعد أن تحولت منذ وقت مبكر إلى مشاريع ذات طابع إحتلالي محض .
– اللعبة التالية : تفخيخ الوضع
تتجه الأوضاع لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي المتمسك بانفصال الجنوب اليمني واستقلاله كلياً عن الشمال ، ليس وفقاً لمنطقية حق تقرير المصير الذي يفترض أن يتم إسناده للشعب وتقريره بإرادة حره واقتراع مباشر ، وهو ما لايمكن أن يصبح مشروعاً إلا بضمان بيئة سياسية وأمنية مستقرة ، إذ أن ما يجري هو جزء من التدافع الغير محسوب والفوضى الخلاقة التي يتم بها تعزيز هيمنة قوات الحزام الأمني الذي يقوده الشيخ السلفي هاني بن بريك نائب عيدروس في المجلس الانتقالي الجنوبي ، ما يعد إيغالاً في تفخيخ الوضع على نحو مريب ، وخلق حالة عداء متنامي مع أي صورة مستقبلية يمثلها اليمن الواحد ، ووضع الجنوب أمام خيارين لا ثالث لهما ، فإما خيار الانفصال الذي تقرره حاشية العيدروس وبن بريك ، وإما فتح الأبواب أمام نار حرب أهلية إضافية أكثر دموية ، تنتهي إلى سلطنات وكانتونات صغيرة ، ولن تنجز إلا بكلفة باهضة ، وهو ما بدأ المراقبون يؤكدون تشكله كمخطط يمضي التحالف السعودي الإماراتي في إنفاذه عبر متوالية من الإرهاصات، ثم سيصبح من الممكن على التحالف الانسحاب من المشهد اليمني وتغطية عجزه في الحسم العسكري عبر تصور جديد للوضع القائم.