مقالات

باختصار: آلام النازحين وأبعاد مشكلتهم!

 
 
زهير ماجد
 
هي قصة العاصفة التي تضرب لبنان والمنطقة، إذ مهما كان الاستعداد لها بعدما اكتشفت بواسطة الأجهزة الحديثة قبل أن تتسلل وتفاجأ الناس والحكومة، فإن تحقيق أعلى مستوى من مواجهتها لا يمكن له أن يتحقق. هذا من الجانب اللبناني، فما بالك من جانب النازحين السوريين الذين يقطنون خياما يصعب صمودها أمام كم الثلوج الهائل والمياه الغزيرة والهواء العاصف، فنحن بالتالي أمام مشهد حزين ومؤلم لطفولة بائسة قست عليها الطبيعة.
لا يبدو أن النازحين السوريين على تأهب لمغادرة خيامهم والعودة إلى قراهم ومدنهم وأريافهم .. جزء أساسي منهم فتحت أمامه طريق العودة وقيل إن بيوتهم صامدة بوجه ما جرى حولها من معارك. فلماذا لا تتم العودة؟ ولماذا هذا الإصرار على البقاء ضمن جو لا يمكن تحمل برودته ولا صقيعه كما لا يمكن تحمل شمسه الصيفية الحارقة.
كلام كثير قيل عن أن الاتجاهات الدولية تدعو وراء الكواليس، وأحيانا بشكل علني، إلى توطين هؤلاء السوريين حيث هم .. العالم الغربي مذعور من أي تحرك لهم باتجاهه، بعدما ذاق ضغطا كبيرا من الأرتال البشرية السورية التي تدفقت دفعة واحدة عليه. ولهذا نفهم مثلا زيارة الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون مخيمات للبنان للاجئين السوريين وصرح علنا بضرورة توطين نصف مليون منهم، ومن يوطن هذا العدد يمكنه أن يزيده نصفا آخر، بمعنى أن الكل يجب توطينه. وأما المفاجأة الثانية فكانت زيارة الرئيس الفرنسي السابق هولاند إلى المخيمات ذاتها، وإطلاق وعود بالمساعدة حيث هم، أي القول بطريقة غير مباشرة ببقائهم حيث يوجدون. ناهيك عن زيارة المستشارة الألمانية ميركل إلى تلك الأمكنة التي تحولت بفعل فاعل إلى مكان عالمي واهتمام أممي، كي تظل على حالها كما هي .. ومن المعروف أن النازحين السوريين في تركيا، عرف قسم منهم طريقه إلى أوروبا، التي استفزها وضع كهذا، وتناهى إليها أن الرئيس أردوغان أراد ابتزاز الغرب بتلك الخطوة المدروسة من قبله، فما كان من هذا الغرب سوى الصراخ بدفع كل ما يتوجب عليه مقابل بقاء النازحين في بلاده، وبالفعل تم الدفع بما يوازي ثلاثة مليارات دولار للأتراك.
لبنان المنقسم حول معالجة أوضاع النازحين السوريين، يجعل من موقف البعض علامة استفهام حول موقفه منهم. ففي حين يقف الرئيس اللبناني ميشال عون وحزب الله وقوى أخرى إلى جانب عودتهم بكل الطرق، يبرز موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وملحقاته التمسك ببقائهم على أن يتم ذلك وفق تنسيق مع الجهات الدولية والأمم المتحدة، وكأنهم يقولون ما يخاف منه اللبنانيون من بقائهم في لبنان وبهذا العدد الذي يتجاوز المليون ونصف المليون في بلد لا يتجاوز فيه اللبنانيون أربعة ملايين نسمة وعلى مساحة صغيرة غير معتبرة، مع كل النقص الهائل في الكهرباء والماء ومشاكل البيئة التي تتفاقم بلا حل رسمي.
الموقفان يتصارعان في حين يظل وجود النازحين مشكلة لا حل لها سوى العودة إلى الديار التي بات معظمها محررا وخاليا من أية أعمال حربية. فلماذا يصر النازحون على البقاء الصعب والعيش ضمن ظروف مادية ومعنوية معقدة ..؟ إنها أسئلة تكمن فيها أجوبة تحتاج إلى استفسار، لكن بعضها مؤسف في وضوحه كونه سعي البعض من أجل تغيير ديموغرافي في لبنان.