مقالات

باختصار : المستور والمكشوف

 
 
زهير ماجد
 
عندما قال محمد حسنين هيكل اننا نعيش العصر الاميركي، كان يقدم تعريفا لواقع حقيقي يجب ان نتقبله، ولربما اراد اختصار فكرته بالتنبه لطبيعة التعامل السياسي في المنطقة تحديدا في تلك المرحلة.
لكن الاميركي اليوم هو غيره قبل سنوات، مع ان السياسة الاميركية لا تتغير ازاء المنطقة العربية، من حيث اصرارها على الوجود الإسرائيلي الفاعل والقادر والمميز، اضافة إلى شرايين النفط واهميتها القصوى، وبالتالي انعكاس ذلك على مواقع انتاجه.
ذلك المكشوف وغيره، يقدم لنا صفحة مكتوبة بالهجوم الاميركي على المنطقة ، منذ زمان ماقبل قيام الكيان الصهيوني، وتعزز اكثر مابعده، اضافة إلى عوامل النفط كما اسلفنا. اما المستور، فكثير ولا يحصى، بدءا من قرار محاربة جمال عبد الناصر وصولا الى هزيمته في يونيه 1967، رغم ان الاسرائيلي هو من قام بالتنفيذ، الا ان الاميركي هو وراء كل التفاصيل التي حدثت. منذ ذلك التاريخ حشر الأميركي المنطقة في قبضات كل الرؤساء الذين تعاقبوا عليه، وكان معظمهم بكل اسف لا يقرأ ولا يدون، تماما كحال الرئيس ترامب اليوم، وقبله جورج بوش الابن، وحتى ريغان.
عاشت المنطقة العربية اذن على المستور والمكشوف من اميركا وغيرها من السياسات .. كان الظاهر فيها يرتسم على الأرض صراعا، ليكشف ايضا ما هو مبطن فيه. لا شيء في السياسة يبدو مكشوفا، الا لأن ظواهر مخبأة تتقدم دائما للتنفيذ.
بعض المحللين قد لا تصلهم المعلومات، لكنهم يستندون إلى حركة السياسة الظاهرة كي يكتشفوا المستور منها، الأمر الذي قد يصح أو لا يصح .. لنأخذ مثلا اميركا على الأراضي السورية اليوم، اميركا لم تتدخل فقط في سوريا، هي المخطط والمحرك للآخرين كيفية تدخلهم، وكلما تغير الميدان السوري على وقع انتصارات الجيش العري السوري كنا نرى الاعلان الاميركي متساو مع المرحلة، إلى ان وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فجاء اعلانه الذي فاجأ الجميع، ولعله لم يفاجئ العارفين ببواطن السياسات وخصوصا الاميركية منها، انه باق على الأراضي السورية في عملية تحد سافر للدولة والشعب والقيادة والجيش العربي السوري .. الأمر الذي سوف يغير من شأن التعاطي السوري مع المرحلة القادمة، وفي حساباتها ان الاميركي محتل للأراضي السورية ليس الا.
هذا المكشوف سوف تكون له تبعاته .. فماذا يمكن ان يقابله من مستور يجهز ضده ارضية تؤدي إلى خلعه من كل التراب السوري .. خصوصا وان هذا الوجود الأميركي له خصوماته لدى التركي الذي يتحرك وفق سياسة عميقة على الأراضي السورية ايضا.
لا بد من مستور سوري في المرحلة القادمة يلحظ ان منطق الخصومات قد يتبدل امام المصالح الآنية وظروفها الجديدة .. الروسي مثلا وعلى ما اعتقد، متنبه بدقة للواقع الاميركي في سوريا، وهو قد لا يختلف مع السوري في توجهاته لخلعه مستقبلا، رغم انه ساعد الاميركي في العديد من التحركات والتصرفات والسياسات سابقا، الا انه لن يقدم له اليد التي تنتشله من سقوطه المؤكد في المرحلة القادمة.
علينا ان لا نأخذ إلى ما هو ظاهر في السياسات، بل للمستور منها .. في المراحل المصيرية، افكار مصيرية قد لا تظهر للعيان، لكنها ترتسم على شكل كلمات احيانا، واحيانا على تحركات هادفة، وعلى مقدمات يجب ان تقرأ بعناية. فلنتابع السياسة السورية التي تصدر بين الفينة والأخرى ازاء الواقع المعقد شمال سوريا ولننتظر ..!