زهير ماجد
لأول مرة منذ سنين أجد نفسي متوقفا عن الكتابة في “الوطن” لمدة ثلاثة أيام .. زمن طويل لمن اعتاد على الكتابة اليومية، واحترفها بكل متطلباتها في المتابعة والمعرفة والعلاقات العامة..
صحيح أن الصحيفة، أي صحيفة، لها من وجودها على مدار سبعة أيام في الأسبوع المعنى الطبيعي للعمل الصحفي، فإن توقف “الوطن” ليومين متتالين يجب أن يحرك كل مواطن عماني ليسأل في قرارة نفسه عن السبب؟ وكيف أن هذه الصحيفة الجميلة المظهر، المكتنزة معلومات، المليئة بالأفكار المدروسة والمنوعة، ثم هي أولى الصحف التي صدرت في السلطنة حاملة أفكار النهضة المباركة ومشاريعها التي تحققت مع الزمان .. بل محملة بكل همسات المواطن العماني تجاه بلاده وأمته وقضاياه؟
ليس من السهل المرور على توقف الصحيفة ليومين متتالين دون البحث عن السبب، ودون حراك عماني باحث عن الحقيقة .. فـ”الوطن” جريدتهم منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، والناطقة باسمهم وبخلجاتهم وبتطلعاتهم وبسؤال المصير الدائم. إنها الناطقة باسمهم، منهم ولهم، سلامهم وكلامهم، عاشت اليوميات كلها بلا توقف، ورصدت حركة الحياة العمانية بكل تقدمها ومسؤولياتها وحلمها الذي تمكنت من التوصل إليه عبر سنين العمل والعلاقة الوطنية والمحبة الفائقة للبلاد ولقائدها المفدى.
يومان بلا “الوطن” .. سؤال صعب لا تطرحه فقط الصحيفة على نفسها، بل المطلوب من الآخر، ممن عايش مسيرتها، فصارت جزءا من يومياته إن لم تكن أساسه، أن يطرح الجواب .. فكيف يسمح لهذا الحلم الذي هو الجريدة أن يصمت يومين، والصحف عادة تعيش بالساعات بل بالدقائق، بنفس اللحظات؟
عندما قرأت خبر عدم الصدور ليومين انتابتني موجة حزن عميقة وأنا قد مضى على كتابتي اليومية أكثر من عشرين عاما، بكل ما فيها من يوميات، ومن كلمات وسطور، ومن وصف ونقد، ومن معايشة لآلام أقطار عربية ما زال بها نزيف لا يتوقف، بل من مواكبة واقع عماني يعبِّر عن نفسه في تلك النهضة المباركة التي تتجلى كل مطلع شمس بصورة جديدة، بحدث مضاف، وبمزيد من الأحلام الوطنية التي لا تتوقف وتعبِّر عن علم في التقدم.
“الوطن” مرآة السنين، لكنها أيضا وجه للقادم من الأيام .. هي حبر الزمن الجميل الذي عاشته السلطنة منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي الكلام الذي كتب على مر تلك الأيام ليقول الحقيقة في أبهى صورها، وليرسم ويسهم في كل عمليات التحول الجريئة التي تمت، وليرفع الصوت إلى جانب الأمل المغرد بيومياته على الصفحات وفي النفوس. صنعت “الوطن” كل ذلك، ظلت وفية لكل المشاريع الوطنية الحضارية وواكبتها بقراءات خلاقة، وأجابت بكل وضوح عن أسئلة الناس، وقرأت للتاريخ الإعجاز الذي حققته النهضة المباركة في وطن تحول إلى حلم مشتهى للعمانيين، ونموذجا للعرب، وجنة على الأرض كما وصفه أحد المفكرين الأميركيين.
فهل بعد كل هذا يمكن لنا أن نصبر على يومين بدون “الوطن” بأيدي العمانيين، وعلى واجهات المكتبات، وقبل ذلك في الحاجة الماسة التي يشعر بها كل عماني إلى أن تكون الصحيفة عند كل صباح بين يديه؟!