بالرغم من عصر الانحطاط الذي نعيشه اليوم لا يساورني شك في أن دولة الكيان الصهيوني تحمل بذور فنائها وهي وحلفائها من الصهاينة العرب ذاهبون الى مزبلة التاريخ وإن غداً لناظره قريب

1

 
د. عبد الحي زلوم
في رحلة الى الهند حيث كانت شركتي الاستشارية لها شراكة استراتيجية مع اكبر شركات الهندسة الحكومية في الهند لمراجعة احد المشاريع المشتركة كان يجلس بجانبي في الطائرة الاردنية التي اقلعت من مطار عمان الى نيودلهي رجلٌ لربما في السبعين. تجاذبنا الحديث كالعادة بين رفقاء السفر. سألني هل انا من الاردن؟ فأجبته نعم. فقال لي : انا اسمي عوديد عيران (Oded-Eran) وكنت سفيراً ( لاسرائيل ) في الاردن بين سنوات 1997 – 2000 . سألته وماذا تعمل بعد التقاعد ؟ فقال : انا اصبحت مديراً لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي . قلتُ مازحاً إذاً انت من الموساد فأنا أقرأ احياناً بعض الدراسات والتقارير التي يصدرها المعهد وأكثر اعضاءه من رؤساء واعضاء اجهزة المخابرات . أجابني لا انا كنت موظفاً في وزارة الخارجية لعشرات السنين وتقاعدت عند انتهاء مدتي القانونية . سألني وما رائيك في حلّ القضية الفلسطينية ؟ أجبته بأني لا ارى مستقبلاً لدولة استيطانية تقوم على ادعاءات واساطير. فسأل وما الحل ؟ فأجبته ان طال الزمن او قصر فمصير مثل هذه الدول الاستيطانية الى زوال وهي اشبه ما تكون بدول الصليبيين في بلاد الشام وفلسطين. ولو اردت رأي بالتفصيل ستجده في كتابي بالانجليزية ((America a Huge Israel . تغيرت ملاح وجهه وتوقف عن الكلام. صدف أن رجعت بعد يومين من نيودلهي الى عمان وكان على نفس الطائرة حيث أكمل ترانزيت الى مطار اللد ولم ينظر احدٌ منا الى الاخر أو يتكلم بكلمة .
عند رجوعي علمت أنه كان يرأس الوفد الاسرائيلي المفاوض مع الفلسطينيين بين سنة 1999-2000 وكنت قد قلت له في رحلة الذهاب أن هؤلاء المفاوضين الفلسطينيين لا يمثلون حتى انفسهم. كما تبين لي انه كان سفيراً لبلاده لدى الاتحاد الاوروبي والناتو .
إن المشروع الاستعماري الاستيطاني بأيدولوجيته العنصرية هو خارج قوانيين العصر بل وخارج التاريخ ومصيره الى زوال خاصة وأن مثل هذا الكيان لا يعتمد على قوته الذاتية اساساً بل على قوة الولايات المتحدة مادياً وسياسياً وعسكرياً واستخبارياً وهذه القوة نفسها بدأت بالتآكل .
أساس هذه العنصرية تنبع من الاعتقاد أن اليهود هم شعب الله المختار. دعنا نورد هذه القصة . عندما أطلق 30 طالباً من مدرسة يشيفا النار على فتاة فلسطينية لا يزيد عمرها عن13 عاماً وأردوها قتيلة في شوارع إحدى البلدات الفلسطينية، وقف الحاخام اسحق غينسبيرغ أمام المحكمة الإسرائيلية مبرراً الجريمة بالقول:” ينبغي الاعتراف بأنه لا يمكن المساواة بين دم اليهود ودم غير اليهود. على شعب إسرائيل النهوض والجهر بحقيقة أن اليهودي وغير اليهودي لا يمكن أن يتساويا لا قدر الله. وعليه فإن أي محاكمة تقوم على مبدأ المساواة بين الاثنين إنما هو تزييف للعدالة”. بعد أن يأخذ شعب الله المختار غرضه من صهاينة العرب سيدوسوهم بالأقدام .
بالرغم من امتلاكهم إلى القرار الأمريكي وحصولهم على كل ما يأمرون إلا أنهم يعرفون زيف مشروعهم.
بينما كان إيهود أولمرت رئيساً لوزراء الكيان الصهيوني قال :
“إن كل من يعتقد بإمكانية الاحتفاظ بكامل مدينة القدس يجد نفسه أمام خيار وحيد هو وضع أكثر من 270 ألف عربي خلف السياج ضمن السيادة الإسرائيلية وهذا خيار غير قابل للتطبيق”. لحل هذه المشكلة تدعو (صفقة قرنهم)إلى جعل هوية أهل القدس من إحدى بؤر الحكم الذاتي في الضفة الغربية .
” كنت أول من يرغب في بسط السيادة الإسرائيلية على كامل المدينة. وأعترف بأنني لم أكن مستعداً وقتها للتمعن في أعماق الواقع″.
” الهدف هو محاولة الاتفاق ولأول مرة، على حدود دقيقة بيننا وبين الفلسطينيين، حدود يعترف بها العالم أجمع″.
” تشكل إيران قوة عظيمة. والافتراض القائل بأن عجز دول مثل أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا عن معالجة الملف الإيراني بينما يستطيع الإسرائيليون ذلك، وأننا سنفعل هذا الأمر، ليس سوى مثال على افتقار البعض لسائر درجات الوعي والإدراك.” ولكن يا ويل إيران من جنرالات الخليج وجيوشها الجرارة .
بعد أن قبلت المنظمة الصهيونية بقيادة حاييم وايزمن بقرار بريطانيا بفصل شرق الاردن عن الانتداب البريطاني في فلسطين في بداية العشرينات من القرن الماضي عارض فلاديمير جابوتنسكي ذلك بشدة وانشأ المنظمة الصهيونية المتجددة التي تطالب بكلا الضفتين بل ورفع السلاح ضد بعض القادة الصهاينة بفلسطين. وتطور حزب جابتونسكي ليصبح حزب الليكود لاحقاً والذي ازداد تطرفاً سنة بعد سنة وازداد نفوذاً وشعبيةً. ومنذ استلامه الحكم سنة 1977 وهو الاكثر مشاركة في حكم الكيان الصهيوني ونتنياهو من تلاميذ فكر جابوتنسكي، وكذلك اكثر الصهاينة المحافظون الجدد في الولايات المتحدة لان جابوتنسكي تم نفيه الى نيويورك وتوفي بها. كما أن جابوتنسكي تصادم مع بن غورين الذي وصف جابوتنسكي مرة بالنازي ومرة اخرى بالفاشي وهكذا يمكن القول بان احزاب اليمين كالليكود هي فاشية ونازية في نزعتها وعنصريتها حتى حسب وصف المنظمة الصهيونية ايام بن غورين.
دعا جابوتنسكي لبناء حاجز نفسي سماه الحائط الحديدي مع الفلسطنيين والعرب وذلك ليتم ردعهم واخافتهم الى الابد. الا أنّ هذا الحاجز قد انهار عندما استطاع صبية فلسطين بحجارتهم أن يتحدوا كافة الاجهزة الامنية الى أن جاء دايناصورات اوسلو وخطفوا تلك الانتفاضة . الا أنّ حكام العرب ما زالوا مرعوبين من حائط جابوتنسكي بينما وقف طفل في السابعة من عمره متحديا الاحتلال بعد قفزه على دبابة مركافا.
نحن في عصر العجائب ولكنه لن يدوم. اصبحت الكثير من دولنا دولاً فاشلة . واصبحت شعوبها في واد وقياداتها في واد آخر وفقدت شرعيتها التي تحافظ عليها اليوم بقوة الحديد والنار . واصبح التحالف مع الاعداء جهاراً نهاراً. لم يستحي من نصبوا انفسهم ممثلين وحيدين عن الشعب الفلسطيني أن يكونوا حراساً على أمن المستوطنيين والاحتلال . وتحالفت أنظمة بعض الدول العربية سراً وعلانية مع الاعداء في الوقت الذي تآمروا على اشقاءهم حتى في مجلس تعاونهم . لم يجدوا حرجاً أن يتحالفوا مع الاعداء مع ان قرآننا الكريم يقول ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ).” هذا الحال لن يدوم خاصة في عالم يعاد تشكيله بسرعة هذه الايام.
في فترة غسيل الدماغ اثناء مرحلة الانتداب والاستعمار بل و أتناء حكم عملائه علمونا أن صلاح الدين الايوبي محرر القدس بأنه بطلٌ عربي مع أنه كردي مسلم . علمونا أن قطز وشجرة الدر وبيبرس وهم من هزموا المغول والصليبيين أنهم عرباً مع أنهم كانوا اتراكاً او شراكسة او قفقازيين.
ما يُهمنا القول أن الحضارة العربية الاسلامية قد اصبحت حضارة منتسبيها عرباً كانو أم أعاجم وأن تفكيك الامة وتثبيت الفرقة يتم باستبعاد هذه الحضارة عن الواقع عبر غسيل الدماغ كما اوضحنا في مقال سابق ..
كان الاستعمار الصليبي الاستيطاني اشبه بالاستعمار الصهيوني الاستيطاني شكلاً وموضوعاً وبدليل أن المسيحيين في فلسطين وبلاد الشام حاربوا الصليبيين مع جيوش المسلمين . وكانت بلاد الشام التي احتلها الصليبيون محكومةً من امارات ما اشبهها بإمارات ودويلات ومشيخات اليوم . تحالفت كثيرٌ من الامارات مع الصليبيين كما يتحالف امراء اليوم مع الصهاينة .
وجد صلاح الدين الايوبي ان المشكلة هي من الداخل الذي يتوجب اعادة تشكيله قبل محاربة الاعداء. بدأ بتوحيد مصر مع بلاد الشام ثمّ بدأ بتنظيف المتعاونيين مع الاعداء في الداخل . استمرت حربه ضد هؤلاء 33 شهراً بينما كانت حربه ضد الصليبيين 13 شهراً فقط . لو كان صلاح الدين المسلم الكردي حيا اليوم لقاتل من يدعوا الى الفرقة والانفصال كردياً كان أم عربيا، سنياً كان أم شيعياً.
لعل قوة الحضارة العربية الاسلامية بأنها هي لمن ينتسب إليها يتبين وضوحه كثيراً في حالة المغول . بعد ان هزم المغول الخليفة العباسي وعملوا من جماجم اهل بغداد جبلاً وجعلوا من حبر مكتباتها لوناً للنهر الذي رميت فيه الكتب ، كتب المغول الى قطز في مصر طالبين منهم الاستسلام والا سيلحقه بما لحق الخليفة العباسي . جهز قطز جيشاً وقال للمغول نراكم بالمعركة وهزم المغول في عين جالوت بفلسطين.
مغسولو الدماغ أو العملاء يقولون اليوم ما لنا ومال فلسطين . فلسطين هي خط الدفاع الاول عن مصر . هكذا كانت في التاريخ وستبقى كذلك للابد.
المطلوب اليوم صهيونياً تصفية القضية الفلسطينية في صفقة قرن أعدها نتنياهو وغُلاة الصهاينة وتبناها بعد ذلك الصهاينة العرب كشهود زور ممن فقدوا شرعيتهم داخل أوطانهم فقبلوا بالعمالة عسى أن تمد في عمر حكمهم يوما أو بعض يوم.

التعليقات معطلة.