محلية

تأخّر دفع الرواتب يشلّ التعليم في كردستان العراق

المصدر: النهار العربي رستم محمود

احتجاجات المعلمين في إقليم كردستان.

احتجاجات المعلمين في إقليم كردستان.

تهدّد احتجاجات المعلمين وأساتذة الجامعات في مختلف مناطق إقليم كردستان العراق، والمستمرة منذ أكثر من شهرين بسبب تأخّر دفع الرواتب، بشلل التعليم في المدارس، وتترك تداعيات سلبية على الحياة العامة. على امتداد “شارع سالم” وسط مدينة السليمانية، تابع “النهار العربي” تظاهرة لآلاف من معلمي المدينة، المضربين عن التعليم منذ 6 أسابيع متواصلة، يطالبون فيها حكومة الإقليم بدفع مستحقاتهم في أسرع وقت. وقال أحد ممثليهم أثناء التظاهرة: “نحن موحّدون بشكل تام للمطالبة برواتبنا، من دون تأخير، فأوضاعنا العائلية مأسوية للغاية، ولن نسكت بعد اليوم، ولن نستمع للوعود الحكومية المتراكمة منذ أوقات طويلة. وإذا كانت حكومة الإقليم غير قادرة على تأمين الرواتب، فنطالب بربط القضية بالحكومة المركزية مباشرة”.  التظاهرات ومقاطعة العملية التعليمية شملتا كل أنحاء محافظة السليمانية، وبلداتها الرئيسية، مثل سيد صادق وبنجوين ورانيا، ومثلها بلدات ومدن محافظة حلبجة. ففي هذه المناطق، الخاضعة لنفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني، يقطن قرابة 40 في المئة من سكان الإقليم، لكن أكثر من 700 ألف تلميذ مدرسي وطالب جامعي، من أصل 1.8 مليون في الإقليم، صاروا محرومين من العملية التعليمية.وعود… ودعوات إلى “تفهّم الأزمة”صدرت مواقف عدة لرئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني، أكّد فيها حق المعلمين بالاحتجاج على تأخّر رواتبهم، متعهّداً دفعها في القريب العاجل؛ لكنه طالبهم بتفهم الأزمة العامة التي يمرّ فيها الإقليم مع السلطة المركزية، وهي ذات طابع سياسي تُستخدم فيها المسألة المالية كورقة ضغط للحصول على تنازلات، مطالباً المعلمين بالاستمرار في العملية التعليمية، والفصل بين الحق في الاحتجاج والاستنكار، وبين حرمان الطلاب من حقّهم المطلق في نيل تعليم مناسب ومستدام. 

  الأوساط السياسية المقرّبة من الحزب الديموقراطي الكردستاني اتهمت جهات حزبية كردية أخرى، بما في ذلك الاتحاد الوطني وحتى قوى مقرّبة من حزب العمال الكردستاني، باستغلال الظرف الحالي والاستجابة لمرامي القوى السياسية العراقية المركزية، التي تزيد من الضغوط الاقتصادية والمالية على حكومة الإقليم، بغية الإشارة إلى عجزها عن إدارة الشؤون العامة، وتالياً تفكيكها عملياً، عبر سحب الصلاحيات المالية من حكومة الإقليم، وتحويلها فعلياً إلى حكومة خدمات عامة فحسب. تأثيرات اجتماعية وتنمويةالأزمة المالية في الإقليم بدأت منذ إقرار محكمة باريس للتحكيم التجاري في شهر آذار (مارس) الفائت، بعدم شرعية تصدير إقليم كردستان للنفط المستخرج من مناطقه من دون موافقة الحكومة المركزية. فتوقفت الموارد المالية لحكومة الإقليم عملياً، في وقت تمتنع الحكومة المركزية عن إرسال حصّة الإقليم من الموازنة العامة للعراق، لعدد من الحجج، تبدأ من مطالبة الإقليم بتقديم الحسابات الختامية لعملياتها المالية منذ سنوات عدة، مروراً بضرورة التدقيق التفصيلي بجداول موظفي الإقليم، وصولاً إلى تقديم كل موارده غير النفطية وغيرها، الأمر الذي تعتبره حكومة الإقليم بمثابة ابتزاز سياسي مفتوح، لأنّ الشروط نفسها غير مطبّقة في الحكومة المركزية. الباحثة الاجتماعية مايا أحمد شرحت في حديث لـ”النهار العربي” التأثيرات الاجتماعية والتنموية المستدامة للأزمة الحالية، وقالت إنّ “للتعليم وضعاً خاصاً في كردستان، فهو عماد التنمية البشرية منذ قرابة عقدين. ووفق المؤشرات التي اعتمدتها المؤسسات الدولية الناشطة في الإقليم، فإنّ العقدين الماضيين شهدا فورة تعليمية بسبب الاحتباس التعليمي (إن جاز التعبير) لعقود الحروب الطويلة في كردستان. وما يجري راهناً هو أكبر عملية نكوص، لا يمكن ترميمها. فهناك آلاف من الطلاب والتلامذة سيتسرّبون من التعليم، وآخرون مماثلون سيتمّ ترفيعهم عبر آلية بيروقراطية من دون كفاءة واضحة، وستفقد المؤسسة التعليمية صورتها وجدارتها في الفضاء المجتمعي، فيما ستكشف واحدة من أهم نقاط ضعف السلطة العامة في الإقليم”. “تضخيم متعمّد”مصدر مقرّب من حكومة إقليم كردستان كشف لـ”النهار العربي” ما قال إنّه التضخيم المتعمّد لمسألة تأخّر الرواتب. وقال: “لو أخذنا كل الأزمة المالية التي مرّ فيها الإقليم منذ قرابة 10 سنوات، فإنّ نظام الإدخار طال لأقل من 12 شهراً، أي أقل من 10 في المئة من مجموع الرواتب، في ظروف قاهرة وحصار سياسي واقتصادي معروف للجميع، وتلك الشهور غير ملغية في حسابات الحكومة، لكنها مؤجّلة إلى حين الحصول على سيولة مالية كافية. والأزمة الراهنة متعلقة برواتب شهرين على الأكثر. فالحكومة دفعت الرواتب العامة لشهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، وتستعد لدفع راتب شهر أيلول (سبتمبر)، وتفاوض الحكومة المركزية بشأن باقي الشهور الثلاثة من العام، وثمة محاولات لتعديل قانون الموازنة الاتحادية لتوفير ذلك. ولذلك، فإنّ التضخيم الاستثنائي للأزمة سببه رغبة بعض القوى السياسية الاستجابة لتطلعات نظيرتها في السلطة المركزية”. وكان المتحدث الرسمي باسم حكومة إقليم كردستان بيشوا هورماني، ردّ على المطالبة التي وجّهها زعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم في رسالة إلى حكومة الإقليم بشأن صرف رواتب ومستحقات الكوادر التدريسية فيه، قائلاً في بيان رسمي “نحن نؤيّد تماماً هذه الرسالة، لكنه يدرك أنّه ليست حكومة كردستان من لا تدفع الرواتب، بل هي الحكومة الاتحادية التي أوقفت رواتب المعلمين وجميع الموظفين في كردستان بطريقة غير عادلة، وليست على استعداد لدفع الرواتب وحصّة الإقليم من الموازنة”.