مايكل نايتس و ديفيد بولوك
تنتظر الولايات المتحدة مهمّة حفظ توازن دقيقة في العراق تقضي حماية المصالح الأمريكية وسط أزمة عسكرية بين العراق الفدرالية و«إقليم كردستان العراق». بشكل سرّي، قدّمت واشنطن إلى بغداد توجيهات بشأن السلوك غير المقبول الذي قد يقوّض العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق، مثل بدء العراق لمعارك نارية أو استخدام «قوات الحشد الشعبي» في عملية التقدم نحو الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد. كما رأت واشنطن التقدم العراقي في بعض الأحيان كإشارة إلى العودة إلى الخطوط الأمامية بين العراق و«إقليم كردستان العراق» قبل الهجوم الذي شنه تنظيم «الدولة الإسلامية» في حزيران/ يونيو 2014. وتعكس هذه الخطوط الأمامية تفسير واشنطن وبغداد لمذكرة التفاهم المبرمة في تموز/ يوليو 2016 بين الولايات المتحدة والعراق والقادة الأكراد قبل هجوم الموصل على تنظيم «الدولة الإسلامية».
وتكمن المشكلة في أنّ التقدم المحرز في بعض المواقع المحدّدة من جانب القوات العسكرية العراقية يفسح المجال بسرعة [لإمور] يكون فيها كل شيء متاح [ومن دون قيود]. إذ تتجه العراق حالياً إلى ما هو أبعد من خط حزيران/ يونيو 2014، كما هو الحال في التقدم الذي أحرزته في 20 تشرين الأول/ أكتوبر في شمال كركوك على الطريق السريع بين أربيل وكركوك في مدينة ألتون كوبري. وقاوم الأكراد هذا التقدم بقوة، وتبع ذلك وقوع اشتباكات عنيفة. وبعدها، قامت القوات العراقية بدفع البيشمركة الكردية حتى أطراف محافظة أربيل، وهي إحدى المحافظات الأربع المتعارف عليها عالمياً في «إقليم كردستان العراق» – المحافظات الأخرى هي دهوك والسليمانية وحلبجة. وكانت القوات العراقية تحارب للسيطرة على المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة الكردية الكاملة في حزيران/ يونيو 2014. وفي هذا الصدد، سقط جنود [في هذه المعارك] حتى تستطيع العراق أن تدّعي أنّها تحرّكت نحو الحدود الرسمية لكردستان بدلاً من البقاء على بُعد بضعة أميال فقط منها. وقد تؤدّي هذه التطورات إلى إثارة الذعر في أربيل، التي لا تبعد سوى ثلاثين كيلومتراً عن منطقة المعركة بالقرب من ألتون كوبري.
وفي الإطار نفسه، شهدت المناوشات في ألتون كوبري الاستعانة على خط الجبهة بـ«قوات الحشد الشعبي» التي انضمت إلى المعركة عندما واجهت القوات العراقية النظامية معارضة. وكانت هناك آراء كثيرة حول مشاركة «قوات الحشد الشعبي» في عملية التقدم العراقية الحالية، ولكن أدلة قوية تشير إلى الواقع التالي: لا يريد رئيس الوزراء حيدر العبادي أن تقود «قوات الحشد الشعبي» عمليات تقدّم كهذه، كما أن هذا الدور مخصّص للقوات المنضبطة مثل جهاز مكافحة الإرهاب والجيش العراقي إلاّ أنها تحتشد بشكل متزايد في عمليات تقدّم كهذه. والجدير بالذكر أن عناصر «قوات الحشد الشعبي» هم أكثر نشاطاً في المناطق غير الكردية والتي فيها مجموعات عرقية مختلطة كانت قد انسحبت منها القوات الكردية. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء العبادي قد أمرهم بالانسحاب من هذه المناطق، إلّا أن إنفاذ الأمر ضعيف، كما أن إعادة تسلل مقاتلي «قوات الحشد الشعبي» أمر متكرر.
وبصرف النظر عن الحقائق على أرض الواقع، يتعيّن رصد التصوّرات الهامة. وقد يتم تحقيق المصالح الأمريكية في نهاية المطاف والتخفيف من النفوذ الإيراني، من قبل العبادي [إذا تمتّع] بسلطة أكثر قوة وجرّاء قومية عراقية أقوى. لكن من المحتمل أن تلحق هذه الأزمة الضرر بالمصداقية الأمريكية في العراق وبلدان أخرى إذا لم تبادر واشنطن وتتصرف مع بغداد بشكل حازم وعلني في هذه المرحلة وتُظهر قوّتها العسكرية، مثل القيام بعمليات تحليق جوية ومراقبة جليّة ووضع مراقبين في الجانب الكردي للدلالة على أن “الكيل قد طفح”. وفي هذا الصدد، تعتَبِر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي العربية والإيرانية التحرّكات العسكرية الأخيرة انتصاراً واضحاً لإيران وحلفائها الشيعة وهزيمة للولايات المتحدة. كما أنّ السنّة سيشكّكون في إمكانية واشنطن دعم حلفائها ومساندتهم، مع العلم أنّهم قد بدأوا يأخذون هذا الانطباع أصلاً. ومن ناحية أخرى، سيصدّق الشيعة العراقيون الشائعات بأن الجنرال قاسم سليماني، رئيس فيلق «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، قد دبّر هذه الأزمة لمعاقبة الأكراد، ما سيقلّل من أي مكاسب قد يحققها رئيس الوزراء العبادي أو العراق من هذا الحدث. وغالباً ما يكون تقديم المشورة من وراء الستار الطريق الصحيح في مثل هذه الحالة، لكن ما هو مطلوب اليوم هو مطلب واضح جداً من قِبَل الولايات المتحدة بتوقف القتال. ويمكن أن تقترن المبادرة العامة بتهديدات خاصة بتعليق التعاون العسكري مع وعود بالمساعدة التفاوضية الفورية.