مقالات

تجربة الديمقراطية بالمقاييس الأميركية

 
د.أسامة نورالدين:
 
 
تعيش فنزويلا هذه الأيام على صفيح ساخن، وذلك على خلفية المطالبة باستقالة الرئيس الحالي نيكولاس مادورو والدعوة لانتخابات جديدة في غضون ثمانية أيام، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه العديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الاعتراف بزعيم المعارضة خوان جوايدو كرئيس مؤقت لفنزويلا، وتعتبر الولايات المتحدة هي قائدة الحراك الدولي المطالب بإقالة مادورو، خصوصا بعد تصريحات نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، والتي دعا خلالها زعيم المعارضة جوايدو بإعلان نفسه رئيسا مؤقتا لفنزويلا، واعدا إياه بتقديم واشنطن كل الدعم له ولأنصاره، وفي نفس الوقت وصف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الحكومة الفنزويلية بأنها غير شرعية وغير ديمقراطية، الأمر الذي يعيد للأذهان من جديد الحديث الأميركي المتكرر عن الديمقراطية، وعمليات التحول الديمقراطي التي سبق وأن انقلبت عليها لتعارضها مع مصالحها، وذلك للدرجة التي تجعلنا نتشكك في دعاوى الديمقراطية الصادرة عن الولايات المتحدة.
فحديث رؤساء الولايات المتحدة عن الديمقراطية ليس الوليد اليوم، وإنما هو حديث قديم جدا، وتحديدا منذ عهد الرئيس توماس جيفرسون عندما تحدث عن الثورة الفرنسية عام 1793 متمنيا نجاحها حتى ولو خربت نصف الأرض، معتبرا أن حال البلد التي تتمتع بالحرية أفضل بكثير من البلاد التي تقمع تحت نير الاستبداد.
واستمر رؤساء الولايات المتحدة ريجان وجورج بوش وكلينتون في تكرار هذا الحديث، والتعبير بقوة عن تأييد الديمقراطية، إلا أنه لم تكن مزاعم النهوض بالديمقراطية في صلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلا خلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، وخصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وحتى خلال تلك الفترة كانت الديمقراطية كثيرا ما تختلط بسياسات أخرى مثل مكافحة الإرهاب، وتفشل في الغالب بسبب الاعتماد المفرط على القوة العسكرية الأميركية في فرضها، ما أدى لتراجع أهميتها لدرجة أن يذكر الرئيس أوباما أنها ستكون الموضوع الخامس من بين سبعة مواضيع للنقاش في خطابه بجامعة القاهرة في يونيو 2009.
وفي ذلك تعيش الإدارات الأميركية بمختلف توجهاتها إشكالية العلاقة ما بين مصالحها وقيمها، فهل تقدم مصالحها على قيمها الديمقراطية أم العكس؟ أم تقوم بالجمع بينهما على الرغم من صعوبة ذلك عمليا؟ وبين هذا وذلك لا نجد نموذجا ديمقراطيا حقيقيا نجحت الولايات المتحدة في تدشينه ودعمه على أرض الواقع.
فأفغانستان بعد الحرب الأميركية على نظام طالبان لا تزال تعيش في حالة صراع مرير يصعب في ظله الحلم بحدوث عملية تحول ديمقراطي حقيقية، والعراق يعيش فوق صفيح ساخن، تارة بسبب تنظيم “داعش” الإرهابي، وتارة أخرى بسبب الصراع ما بين الطوائف والفصائل السياسية المختلفة، والتي يصعب في ظل وجودها وتفكيرها السياسي والحزبي والمذهبي إقامة تجربة ديمقراطية حقيقية.
وحتى في الدول التي التزمت بدعوة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الخاصة بالإصلاح السياسي عادت الولايات المتحدة نفسها وانقلبت على تلك التجارب، مثلما حدث في الأراضي الفلسطينية التي شهدت إجراء أول انتخابات ديمقراطية في تاريخها، ولكن لأنها جاءت بحركة حماس المناهضة لإسرائيل تم الانقلاب على النتائج والسماح لإسرائيل بفرض حصار خانق على قطاع غزة والضفة الغربية للإسهام في إسقاط الحركة والتضييق عليها في الداخل الفلسطيني.
ولا يختلف الأمر كثيرا في التجارب الديمقراطية التي شهدتها دول “الربيع العربي”، والتي لم تجد الدعم ولا المساندة الكافية من الولايات المتحدة، لا لشيء سوى لأنها رأت أن تلك التجارب لا تدعم مصالحها على المدى البعيد، ما أدى لانتكاسة تعاني المنطقة تداعياتها الخطيرة حتى الآن.
لذلك يصعب على الرأي العام العالمي الثقة في التحركات الأميركية الداعمة لزعيم المعارضة الفنزويلية ضد الرئيس مادورو، لأن دعم الانقلابات لا يمكن أن يدعم التجارب الديمقراطية بأي شكل من الأشكال، خصوصا إذا جاء الدعم من الخارج ومن الولايات المتحدة التي تتعارض مصالحها مع مصالح الحزب الحاكم في فنزويلا، لذلك حتى ولو نجح زعيم المعارضة الفنزويلية وانتزع كرسي الحكم من الرئيس الحالي فإن التجربة الفنزويلية بالمعايير والمقاييس الأميركية لن يكتب لها النجاح.
 
كاتب وباحث علاقات دولية

admin