مقالات

تحالف طبقى شعبوى لقيادة “ثورة جاكسونية” من أجل دولة-أمة أمريكية.. ترامب يفضل علاقة مع روسيا لحل المشاكل فى سوريا وكوريا واكرانيا

 
خالد فارس
تنشغل السياسة الأمريكية فى تفكيك وتركيب معادلة الدولة الأمريكية. هل هى دولة تنطلق من مفاهيم ومبادىء التنوير, مما يُوْجِب عليها بناء نظام ليبرالى عالمى, ينطبق على الداخل الأميركى كما ينطبق على الخارج (نموذج أوباما-دولة أمة أمريكية كونية), على الأقل من ناحية المبادىء العامة, الماكروية. أم أن هذه الدولة, هى دولة أمة أمريكية فقط, أى أن الداخل الأمريكى هو نقطة الانطلاق, وبالتالى يجب على الخارج أن يتوائم مع مقتضيات دولة الأمريكان, وليس دولة العولمة (نموذج ترامب).
يُقَّسم الكاتب الأمريكى Walter Russel Mead فى مقالته زمن ترامب ثورة جاكسونية, مجلة Foreign Affairs, عدد ابريل 2018, الفكر السياسى الأمريكى, الى مدرسة الرئيس الأمريكى توماس جيفرسون الرئيس الثالث من 1801-1809 مقابل الرئيس أندرو جاكسون الرئيس السابع 1829 – 1837. تنتمى مدرسة ترامب الى شعبوية جاكسون. ويعتقد هؤلاء أن الوطنية التى تحملها النخب الأمريكية, وخاصة من الليبراليين واليسار, غير موثوق بها. كما أنهم يرغبون فى عدم جواز شمول الأمريكى “الأصلى” ضمن سياسات الهوية-Identity Politic, التى تسمح وترحب بالهوية الامريكية المتعددة, الأفريقية والمسلمين الأميركان أو المرأة أو الأسبان.
من أهم ما قاله الرئيس الأمريكى أندرو جاكسون, كما جاء فى مقالة الكاتب, ” الولايات المتحدة الأمريكية ليست كيان سياسي نشأت وتُعَرّفْ من خلال مجموعة مبادىء فكرية تمتد جذورها فى التنوير لتحقيق مهمة كونية. على العكس, هى دولة-ـأمة للاميركيين, ومهمتها الرئيسة فى أن تنشغل فى الداخل”.
يشتهر جاكسون بتوقيعه على قانون ترحيل الهنود الحمر الذي سمح للحكومه الإمريكية بتهجير الهنود الحمر إلى الغرب باستخدام العنف. وقد قتل العديد من الهنود الحمر أثناء رحلتهم إلى الغرب. وقد سميت هذه الرحلة طريق الدموع. اضافة الى أنه كان مالك عبيد. اعتقد الرجل أن ازاحة الهنود الحمر عن تعريف الأمة الأمريكية, يمنح الدولة الأمريكة مفهوم أمة, وبالتالى, فان أميركا هى دولة أمة أمريكية عندما تتخلص من شوائب الداخل.
يأخذ ترامب هذه السياسة على محمل الجد, فهى تقوم على دولة-امة تنشغل فى التخلص من شوائب الداخل, (هنود حمر العصر الحديث), مثل “الهويات الدخيلة” على أميركا.
ينجح ترامب عندما يطلق اتهامات على المؤسسة الأمريكية التى يقودها النخب, بأنهم يكذبون, وولائهم ليس للأميركان, أميركا هى الأميركان, الذين سوف يقررون مصير القيم الكونية, دون أن يكون الإنشغال بالقيم الكونية تأثير على الداخل. عودة أميركا للأمريكيين, وليست أى شىء غير أمريكى. لهذا سنشاهد محاور للصراعات تتعلق باعادة تعريف “أميركا للأميريكيين”.
نجد أن 65% من الذين يعتقدون أن الهجرة مشكلة أساسية لأميركا, صوتوا لصلح ترامب, مقابل 32% لصالح كلينتون. الذين يعتقدون أن الاقتصاد الأميركى فى حالة سيئة 79% لصالح ترامب مقابل 15% لصالح كلينتون. الذين تدهورت أحوالهم المالية منذ 2012 78% ترامب 19% كلينتون. لهم موقف سلبى من الحكومة الفيدرالية (التى يقودها النخب) 90% لصالح ترامب, 6% لصالح كلينتون. https://www.nytimes.com/interactive/2016/11/08/us/politics/election-exit-polls.html?_r=0
يتضح لنا بأن هناك تغيرات فى التركيبة أو التحالفات الطبقية فى أميركا. الفكر السياسى الذى عَبَّرَ عنه ترامب, أصبح نقطة تجميع-تحشيد جديدة للشرائح الاجتماعية الأمريكية من مختلف المستويات, فى طبقة سياسية, تقود “ثورة جاكسونية”.
تجتمع شرائح من مناطق جغرافية مثل المدن الداخلية والضواحى, مع الذين لديهم موقف ثقافى أو ذهنية تجاه الهجرة (ثقافة الجاكسونية الشعوبية) الى جانب الاقتصادى الذين تنهار أوضاعهم الاقتصادية. اذا فى أميركا, اعادة هيكلة طبقية (تجميع أو استقطاب طبقى) على أسس الموقف السياسى الجديد. يتوحدون على موقف سياسي أساسه, أميركا دولة أمة تُعْنى بالداخل أولاً, وتقف ضد النُخَب الكاذِبة الليبرالية, التى تهتم بما هو خارج أميركا.
تيلرسون, وزير الخارجية الأمريكى المُقال, من النخب, لهذا كان يتصرف متجاوزاً مسألة العدو الداخلى, أو التحالف الطبقى الذى يريد مواجهة العدو الداخلى. كان يحاول أن يخلق أميركا فى الخارج, لأن دوره هكذا, ولأنه أيضاً يفكر بطريقة النخب الليبرالية-الجمهورية. أما بومبيو فهو ليس كذلك. هو امتداد للجاكسونية الشعبوية, التى تنظر الى تعميق التحالف الطبقى الذى نشأ مع ترامب, لمواجهة المؤسسة الأمريكية التقليدية الليبرالية, لتستعيد السيطرة على “أميركا الداخل”.
ترامب بحاجة الى قائد طبقى يتبنى الشعبوية الأمريكة الجاكسونية لبناء دولة-أمة أمريكية, تقودها شريحه “منتقاة” من الداخل. فى مواجهة قائد طبقى نخبوى ليبرالى يتبنى سياسات الهوية التى تؤدى الى تعريف الشرائح الطبقية على أساس هوياتى متنوع وكونى.
الغاية هى تجميع التحالف الطبقى فى اطار سياسى متماسك, يتعاظم, فى الداخل, ويتغذى على أو يقتات من أرباح الخارج. لا يهم إن كان الخارج ليبراليا أو صهيونيا أو اسلاميا أو بوذياً أو حتى من المافيا, المهم ماذا سيربح الداخل من كل هؤلاء. اذا النظام العالمى الليبرالى, العولمة, تسقط لصالح تحالف طبقى شعبوى أمريكى. والدولة الأمريكية تصبح دولة-أمة تنشغل بالحلف الطبقى الداخلى.
تنطبق على بومبيو صفات القائد الطبقى, المصطدم مع النخب الليبرالية, الذى يسعى الى تعظيم التحالف الطبقى السياسى الشعبوى. ستتحول وزارة الخارجية الأمريكية, الى أداة طبقية, لتحقيق أحلالم الشعوبية الأمريكية. من موقعه فى وزارة الخارجية, وقبلها فى السى أى أيه, سوف يحشد الأدوات (الاستخباراتية) والجديدة (الديبلوماسية), فى قالب واحد. وهذا هو التحول الجديد. هو أن تصبح الديبلوماسية والتجسس والأمن يتبادلان الأدوار الأداتية, فى استغلال العالم, واطلاق مناورات ديبلوماسية-حربية.
يبعث رسالة الى الداخل الأمريكى, بأن ترامب قام بضم والحاق السياسة الخارجية الى الداخل الأمريكى, وبالتالى, أصبحت أميركا أولاً ليست فى الداخل فقط (حمل السلاح, واعادة تموقع للشرائح الطبقية مع الحفاظ على هوية الأمة الحقيقية من الداخل, وبناء منظومة دفاع وأمن, واعادة ترتيب البيت الأمنى والعسكرى الداخلى, الخ) بل أيضاً, فى الخارج. قلب أميركا من الخارج, التى لم يجدها مع تيلرسون.
ربما يكون الافتراض الذى ساد منذ سقوط الاتحاد السوفييتى أن النظام العالمى الليبرالى سوف ينتج ليبرالية أكثر, ورخاء أكثر, واستقرار أكثر, وأيضاً أميركا أكثر (بوش), قد فَشِل. لقد تفاجأ العالم الليبرالى الغربى بالذى يحدث فى فلسطين المقاومة, والعراق المقاومة, ولبنان المقاومة وسوريا التى أطاحت بالمشروع السياسى للمعارضة المرتبطة بالبترو-دولار والتركى.
وتفاجأ أكثر اذ وجد أمامه, روسيا, تتحرك باستراتجية جامحة, غير مترددة, وغير متراجعة. اضافة الى دخول العالم الليبرالى فى أزمات اقتصادية طاحنة, مثل أزمة 2008. ويواجه تحديات مالية كبيرة, وجيوسياسية عالمية.
فى نظر ترامب, يحتاج هذا العالم الليبرالى الى جراحة, لاستئصال دمامل ليبرالية, أوجدتها النخب الأمريكية, التى خانت الأمة الأمريكية عندما وَجَّهَتْ أميركا الى المعركة الخطأ.
سيتحفظ ترامب على الصدام مع روسيا, أو حرب فى سوريا, وله تصريح بخصوص العلاقة مع روسيا, لابد من قرائته جيداً. صرح ترامب على تويتر فى 11-11-2017 “علاقة جيدة مع روسيا شىء جيد, ليس شىء سىء ….. أرغب فى حل كوريا الشمالية, سوريا, اوكرانيا, الارهاب, روسيا تستطيع المساعدة بما هو عظيم”