تحولات حركة حماس بين الإستراتيجية والتكتيك

1

عمر الردّاد
على وقع التغييرات الإقليمية المتسارعة ، منذ قمم الرئيس ترامب في الرياض أواخر أيار الماضي ، وتطورات الأزمة السورية باتجاه القبول دوليا بالرئيس بشار الأسد ، والانجاز المتحقق في سوريا والعراق بدحر داعش، واستمرار وتصاعد حدة الأزمة الخليجية بين قطر والدول الأربع ، والتشابك والتعقيدات بين كل تلك الملفات ، جاء الانقلاب السياسي في المشهد الفلسطيني ، بإنهاء حالة الانقسام بين فتح وحركة حماس ، من خلال إعلان مصالحة فلسطينية برعاية مصرية ، أقدمت فيها حماس على تقديم تنازلات لحركة فتح ، أنهت ازدواجية السلطة ،وأعادت ربط قطاع غزة بالقضية الفلسطينية ،وقد أصبح مؤكدا ان هذه المصالحة تختلف عن مصالحات سابقة كان مصيرها الفشل اوالافشال .
تنشط حماس اليوم في صياغة علاقاتها مع المحيط الإقليمي ، في ظل تساؤلات حول تناقضات مهولة ، ربما تشي بانتقالها إلى براغماتية ، تستجيب لتلك المتغيرات، للحفاظ على دورها كحركة مقاومة ، واستعدادا لقبول أكثر في المستقبل من قبل الآخرين ،وبعيدا عن الخطاب الإعلامي الثوري ، تدخل حماس المشهد الإقليمي في ظل أولا: اتفاق مع فتح على حكومة وفاق وطني وتقوم بتسليم المعابر للسلطة الفلسطينية التي أنجزت باتفاق أوسلو ، وتتنازل عن كل مكاسبها بعد انقلابها في غزة.وثانيا: تعود لمصر، المرتبطة بعلاقات سياسية وأمنية مع إسرائيل، الرمز في الاعتدال العربي، ، المعارض للممانعة العربية والإسلامية حليفة حماس، وبرعايتها تنجز اتفاقا مع فتح ،ثالثا: تحتفظ باتفاق مع القيادي الفتحاوي محمد دحلان المدعوم من الإمارات ومصر ، خصم حليفها القطري،ورابعا: تعود لإيران واذرعها ممثلة بحزب الله ،وتجتهد في تبرير عدم وقوفها إلى جانب النظام السوري ضد الثورة السورية وخامسا: تفتر علاقاتها مع قطر وتركيا ، الحلفين الأبرز في انجاز وثيقتها الأخيرة التي تضمنت اعترافا ضمنيا بإسرائيل ،رغم إنكار ذلك .
المحاور أعلاه ومع ما تتضمنه من تناقضات ،تجعل باب الأسئلة مفتوحا على مصراعيه، إضافة لكونها تعكس تغييرا عميقا في حركة حماس واتجاهاتها ، ارتباطا بالمتغيرات الإقليمية، وفي مقدمتها أفول الإسلام السياسي وعنوانه جماعة الأخوان المسلمين ، وضعف تيار الممانعة العربي والإسلامي ، إلا من الخطاب الإعلامي ، وتداعيات أزمة قطر مع الدول الأربع ، إلا انه يمكن تفكيك اتجاهات حركة حماس على النحو التالي:
أولا: تعتقد حركة حماس إن اتفاقها مع حركة فتح ، ورغم انه يبدو في إطار تنازلات مؤلمة بالنسبة لها ، إلا أنها تراهن على تحقيق مكاسب في القريب العاجل ، وتحديدا في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية ،فبالإضافة إلى حضورها في غزة فان قوتها في الضفة الغربية لاتقل عنها ، ونتائج انتخابات هيئات المجتمع المدني في الضفة تؤكد ذلك ، كما أنها تتطلع لاستثمار فشل ما يتردد عن فساد وخلافات حادة بمؤسسات الفلسطينية وفتح ، إضافة لاتهامات للسلطة بتبعيتها لسلطة الاحتلال، على خلفية التنسيق الأمني مع إسرائيل، وتبدو فرضية تنحي خالد مشعل عن المناصب القيادية في حماس استعدادا لترشيحه لرئاسة السلطة الفلسطينية فرضية منطقية في إطار هذا الفهم .
ثانيا: أدركت حماس أن لا مناص لها من التفاهم مع مصر ، وان تحالفها مع تركيا وإيران وقطر منذ عشر سنوات، لم ولن يسهم في رفع الحصار، مع استمرار تردي الأوضاع في قطاع غزة على كافة الصعد ،وان لا رفع للحصار إلا من خلال البوابة المصرية ، فكانت تلك الاستجابة والعودة إلى مصر ، ولكن دون الانخراط في تحالف معها، لإبقاء الباب مفتوحا إمام خيارات أخرى.
ثالثا: تبدو حماس متناقضة في اتفاقها مع فتح الذي أعقب اتفاقها مع العقيد محمد دحلان،ويبدو أن حماس تستخدم اتفاقها مع دحلان ورقة ضغط ضد حركة فتح ، والرئيس عباس، كما أن اتفاقها معه جاء استجابة لضغوط من الجانب المصري ، وبالمحصلة ستكون حماس قريبا مضطرة للانحياز إلى جانب دحلان او فتح ، وربما تراهن على خلافات فتح اللاحقة وتنحاز إلى جانب دحلان ، في ظل تداول أسماء مرشحة لخلافة الرئيس عباس من بينها فارس قدوره ومروان البرغوثي وماجد فرج، ومؤكد أن معيار موقف حماس من خلافات فتح سيكون مرتبطا بمخرجات أزمات المنطقة وموازين القوى الجديدة.
رابعا: عودة حماس للحضن الإيراني مرتبطة بحاجة الطرفين لبعضهما،فإيران تدرك أن نجاح صفقة القرن سيكون مقدمة للتصعيد ضدها بما في ذلك احتمالات تصاعد الخيار العسكري ، خاصة وان تلك الصفقة ستفتح الباب لعلاقات إسرائيل مع الدول العربية،بتوافق على العدو المشترك إيران، ومن جانبها تتطلع حماس لتقوية مواقفها بعد تنازلاتها ،وإرسال رسالة بأنها تحظى بدعم تيار الممانعة العربي والإسلامي ،خاصة وان إيران وحزب الله يعملان بصمت للمصالحة بين حماس والنظام السوري، وقد شهدت لقاءات صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس ، في طهران ومع حزب الله مؤخرا مغازلات علنية للنظام السوري .
خامسا: إن الفتور في علاقات حماس مع كل من تركيا وقطر ، مرتبط بعدم إثارة الإطراف الأخرى، وخاصة السعودية ومصر والإمارات ، وربما أرسلت قطر وتركيا رسائل لحماس إنهما تتفهمان ظروف حماس ،رغم ان تنازلات حماس الجديدة ترسل رسالة قطرية تركية ،بأنهما لا يعارضان الاتجاه الدولي تجاه القضية الفلسطينية ، بما في ذلك صفقة القرن، كل ضمن حساباته وأزماته.
وفي الخلاصة فان الفصل الأهم في تحولات غزة سيكون في اللحظة التي سيوضع فيها ملف أسلحتها وصواريخها على طاولة التفاوض ، اذ ينظر المجتمع الدولي والفاعلين في عملية السلام لهذه الملف باعتباره المعيار الرئيس في تحولات حماس ،رغم ما يتردد أن الموضوع غير خاضع للبحث على الأقل في هذه المرحلة، فهل ستطال تحولات حماس ملف أسلحتها؟!
تحولات حماس، على أهميتها ، ومعها حركة فتح مرتبطة بالتطورات الإقليمية ، وتبدل التحالفات وهو ما يعني بقاء القضية الفلسطينية برمتها ورقة بأيدي الفاعلين في الإقليم، ورهنا للتقلبات وموازين القوى بين إيران وقطر وتركيا من جهة ومصر والسعودية والإمارات من جهة أخرى ، ومؤكد لولا أزمة قطر مع الدول الأربع ما كانت اتفاقات حماس مع فتح ومحمد دحلان رأت النور،ولا كانت استدارات حماس بهذه السرعة ، وإذا كان صوت حماس مسموعا وكذلك صوت فتح فان الذي لم يسمع صوته بعد هو الشعب الفلسطيني، الذي قال كلمته في أزمة الأقصى قبل شهرين.

 

التعليقات معطلة.