الرومانسية والكوميديا والحركة والاثارة اصبحت مواد مستهلكة رغم التجديد والتسويق العصري فاشكالها لا تتغير لكن مضمونها يتغير مع مرور الزمن والاصباغ التكنولوجية جعلتها متنوعة ومختلفة فمسيرة العدسة الكبيرة بدأت بخطوات مفتوحة وولادتها كانت ناجحة ومراحل بنائها جعلت من الحلم حقيقة صامتة من بعدها انطلقت حنجرة الصوت ترافقها خيوط الابيض والاسود وبين مكعبات الزمن الاخر والزمن الاخر ذاع صيت صناعها وتربعت مربعات الالوان على منصة الواقع والخيال ..
فتأريخ السينما خالي من النقد ومليء بالطاقة وما قدمته من قضايا احدث شرخا ايجابيا في حالة المجتمعات البشرية فالسينما فاصل ثقافي القيمة تكمن في طرح السؤال بينما الاجابة تبقى في فلك الرؤية حيث عين الجمهور …
فعالم العدسة العربية امتهن حرفة الرومانسية والكوميديا والحركة والاثارة ونجح في كسب الرهان فالمصرية واللبنانية والمغربية والجزائرية والتونسية ليست مجرد عناوين عريضة بل هي نتاج نشاط ابداعي شاق من حيث التمثيل والاخراج والانتاج والموضوع ..
فيلم تراب الماس خرج عن هذه القاعدة فهو من الافلام الفريدة فصناعته فتحت زاوية لا حدود لها على المفهوم السينمائي فقضية الفيلم مستوحاة من العقل والجدل يتخطى محور الرؤية وهذا يعني كسر للمعادلة السينمائية العالمية فالاوروبية هي من صنعت هكذا نوع من المادة الفيلمية ومع مرور المراحل الزمنية تطورت العوالم المتوسطية واندمجت في النوع الجديد الذي يتيح فكرة السائل والمجيب ضمن قالب فكري فلسفي …
تراب الماس فيلم لا يمكن حصره بالرموز والعلامات فالبعد المرئي يظهر عدة شخصيات معقدة تغلب عليها طابع التفكير العميق تعيش يومياتها على خلفيات الظل المنبعث من الاضاءة الباهتة ومجريات القصة تلفظ انفاسا هادئة ترافقها موسيقى تصويرية شرسة فالسرية خيط رفيع يمد المشاهد بتعابير غامضة اساسها الكلمة والحرف ..
فيلم تراب الماس يكشف النقاب عن مادة مركزة وثقيلة اسمها سينما العقل وهي بعيدة كل البعد عن الاداء الثابت والصورة المتحولة فالقالب الفكري والفلسفي هو الثقافة الجديدة التي يجب صناعتها خلف الكواليس وعرضها على الشاشة الكبيرة فالجمهور بحاجة لصقل الرؤية لمعرفة خفايا واسرار الامور والاشياء وهذا لن يحدث بالسرد العادي فمن مساوئها عرقلة المنطق تراب الماس رسالة سينمائية فكرية فلسفية معنونة لدائرة العقل تطلق جملة هائلة من التساؤلات حول الفوضى التي اتخذت اشكالا غريبة المعالم في رحلة الانسان مع الحضارة .
ايفان علي عثمان
شاعر وكاتب