مقالات

تفسير سلوك الدول الصغيرة باتجاه التحرك الأحادي نحو الصراع

 
محمد بن سعيد الفطيسي
 
الاعتقاد السائد أن الخوف من هيمنة أو تدخل القوى الكبرى أو نتيجة الضعف السياسي أو العسكري أو اختلال موازين القوى الدولية قد تجعل بالمطلق الدول الصغيرة تتراجع إلى الوراء, أو تبحث لها عن قوة أكبر للاختباء خلفها, وهو اعتقاد خاطئ بدرجة كبيرة, حيث يمكن أن يكون ذلك صحيحا إلى حد ما مع بعض الدول فقط.
فالقوى (اللاعبة على الساحة بصورة مستمرة ـ تحاول ـ إيجاد نوع من التوازن بين القوى، سواء كان هذا التوازن بين مجموعة من القوى، كما شهدناها في القرن الثامن والتاسع عشر, أم بين قوتين كبيرتين كما كان الحال في القرن العشرين بين الكتلتين الشرقية والغربية, وتحاول قوى أخرى موجودة أن تخبئ نفسها وراء إحدى القوتين وتدخل في تحالف مصيري معها)().
كما أنه ليس بالضرورة من ناحية أخرى أن تقوم (الأمم بتوسع مصالحها السياسية عندما تصبح غير آمنة بصورة متزايدة, إلا أن ذلك يتناقض بشدة مع الواقعية التقليدية, فعلى حين تلح النظرية الثانية إلى أن الدول تتوسع نتيجة الثقة, أو على الأقل تتوسع بسبب حاجتها إلى زيادة الموارد, فإن الأول تسلم بأن الدول تتسع بدافع الخوف والعصبية, وبالنسبة لدعاة الواقعية التقليدية, فإن الدول تتوسع لأنها تستطيع ذلك, أما بالنسبة لدعاة الواقعية الدفاعية فإنها تتوسع لأنها مجبرة على ذلك)()
على ضوء ذلك يمكن التأكيد على أن ارتفاع ثقة بعض الدول في نفسها نتيجة تكدس الثروة والمال, أو بسبب شراكات دولية تتقيد معها الدول الأخرى بالصمت على تجاوزات بعض الدول نتيجة تبادل المصالح أو تقاسمها, أو بسبب بحثها عن مسوغات الأمن ومبررات الاستقرار خصوصا عندما يتزعمها رؤساء دكتاتوريون أو تسلطيون أو يحملون عقدة الرغبة في السلطة والهيمنة والسيطرة, فإن تلك الدول الصغيرة قد تتحرك بشكل أحادي في طريق الهيمنة والرغبة في النفوذ، سواء كان تحقيق ذلك عبر الهيمنة الجغرافية أو من خلال السيطرة على منابع القوة والسلطة السياسية أو الاقتصادية في الدولة المهيمن عليها.
يضاف إلى ذلك وجود تلك العوامل الدولية المحفزة أصلا على التحرك الأحادي حتى وإن كان ذلك من قبل دول صغيرة الحجم, قد يجد البعض أنه من الاستحالة أن تملك الجرأة والثقة على القيام بمثل هذه التصرفات الخطيرة, إلا أن ما حدث هو العكس من ذلك, فارتفاع سقف تلك المخاوف التي تحيط بتلك الدول الصغيرة جراء وجود تلك السمات المميزة للسياسات العالمية المعاصرة كسرعة تقلب الصداقات والعداوات, يضاف إلى ذلك رسوخ واقع صعوبة استنفار ردود منسقة على العدوان الذي يمكن أن تقوم به تلك الدول على بقية أعضاء المنظومة الدولية, وفي العادة تكون أغلب الاعتداءات على تلك الدول في ذات النطاق الإقليمي هو في حقيقة الأمر ما جعل تلك الدول الصغيرة التي يقودها رؤساء دكتاتوريون أو سلطويون أو مرضى بعقدة السيطرة وحب النفوذ والهيمنة بالتحرك بشكل أحادي, أو القيام بتصرفات أحادية دون حساب لأي اعتبارات قانونية أو شرعية.
وما زالت جملة تلك التحولات والتوجهات الكبرى (الدول والأمم في مثل هذا النظام أن تكون مستعدة لحماية نفسها. دون إهمال حلحلة القيود المفروضة على العمل الأحادي المفترض أن يكون سائدا في التكتلات الأمنية ذوات الأطراف المتعددة في آن معا. والذي قد يبدو العالم من خلاله عائدا إلى النظام التقليدي القائم على الدول القومية والسيادية. إلا أن فوضى النظام التقليدي كان بالمقارنة مستقرا. فقادة الأوطان كانوا عموما قادرين على التحكم بما يجري داخل حدود إدارتهم وعلى إلزام بلدانهم بتحالفات معينة بغية التصدي لقوة خصومهم. أما في عالم نظام ـ التعددية القطبية الفضفاضة وكذلك ـ نظام حكم الكثرة فثمة عدد أكبر بكثير من (الحبائل السائبة) المتروكة على الغارب (حرفيا ومجازيا) القادرة وحدها على إحداث الفوضى في النظام. ناسفة باستقرار الحكومات جنبا إلى جنب مع الترتيبات الخاصة بالسلام والأمن الدوليين)()