مقالات

حقوق الإنسان… رؤية مصرية

 
عصام شيحة
 
 
مشكلة حقوق الإنسان أنها قابلة دائماً للتسييس، وتطيع دائماً من يحاول الخروج بها عن مسارها الطبيعي الذي وجدت من أجله؛ ومن ثم فهي أداة فاعلة في العلاقات الدولية المعاصرة، ولها أدواتها المحددة، وطرق تطويعها معروفة، من دون أن تفقد سطوتها.
 
 
لا شك في أن “المشروطية السياسية” التي يتبعها العديد من الدول في صياغة علاقاتها الدولية، لا تخرج عن هذا السياق في أي حال من الأحوال، فهي تهدف دائماً إلى تحقيق أغراض ومصالح سياسية للدولة التي تستخدمها، وليس الغرض منها التمسك بمبادئ أممية، أو غير ذلك من صيغ قابلة دائماً للتفجير أمام وسائل الإعلام على أنواعها.
 
ولا تملك مصر إلا أن تجتهد في التعامل مع هذا الملف (حقوق الإنسان)، بكل ما فيه من تناقضات، وسُبل ملتوية، وبوعي حقيقي، نتمكن معه من القفز فوق محاولات توريط الدولة المصرية، أو الإيقاع بها في شرك الاصطدام بالمجتمع الدولي، بمكوناته كافة.
 
تحتل حقوق الإنسان أهمية كُبرى في سلّم مسؤوليات المنظمات الدولية، وعلى رأسها المنظمة الأم، الأمم المتحدة، التي تحرص على تنظيم الكثير من الفعاليات الدولية المعنية ببحث أوضاع حقوق الإنسان في دول العالم، وبما يتفق مع المعايير الموضوعية المنصوص عليها في المواثيق الدولية ذات الصلة.
 
وتؤكد الأمم المتحدة دائماً أهمية تعظيم مساهمات ودور منظمات المجتمع المدني في عملية حفظ حقوق الإنسان وصيانتها، إلى جانب أنها مسؤولية مشتركة تضم أيضاً المؤسسات الرسمية للدولة بمحاورها المختلفة.
 
وفي ما يتعلق بمصر، تقع على المنظمات الحقوقية الوطنية مسؤولية التعبير بصدق وأمانة عن توجهات الدولة نحو تحسين هذا الملف، وتطويعه للقواعد الدولية المعمول بها. وهو توجه يعبّر بجدية عن حرص القاهرة على الانخراط الصادق في الأسرة الدولية من خلال بناء قواعد راسخة ومتينة لبناء دولة مدنية حديثة.
 
ومن ملاحظاتي على أداء المنظمات الحقوقية المصرية، أستطيع الجزم بأن تطوراً لافتاً نال من أدائها بما يعكس ارتفاع وعيها حقيقة دورها في تطوير الصورة الذهنية للدولة المصرية في مواجهة ما يُحاك ضدها من مؤامرات إقليمية ودولية لا تهدأ في هذا الخصوص. ومن المحاور التي رأيت أنه ينبغي على المنظمات الحقوقية المصرية أن توليها اهتماماً كبيراً في الفترة الراهنة والمقبلة، ما يلي: وجود تأثير كبير للإرهاب والتطرف على حرية الاعتقاد في المنطقة. ونموذج الجماعات الإرهابية شديد الوضوح في هذا الشأن، خاصة إنها دمرت أكثر من 60 كنيسة.
 
تبذل الدولة جهوداً جبارة في نبذ التطرف والحث على تجديد الخطاب الديني. ويقوم المجتمع المدني في مصر بدور حقيقي لتطبيق استراتيجيا الدولة في مكافحة الإرهاب، والحد من تأثيراته السلبية.
 
يجب تأكيد الثقافة المجتمعية الراسخة للشعب المصري، التي تدعم عدم التمييز بين الناس على أساس ديني. وأي أحداث في هذا الشأن، لا تمثل وجهة نظر مجتمعية، بقدر ما تمثل أصحابها وأفكارهم الفردية التي لا تلقى سنداً من الديانتين الإسلامية أو المسيحية على السواء، وتُواجَه من الدولة بكل حسم.
 
إن ترسيخ مبدأ المواطنة كفيل بمجابهة أي فكر يدعو إلى التمييز بين الناس علي أساس ديني. وارتكز الدستور المصري الأخير (2014) على هذا المفهوم، وأكد ضرورة احترامه كمنهج عام ومُلزم، سواء من قبل المؤسسات الرسمية، أو منظمات المجتمع المدني، أو المواطنين بانتماءاتهم المختلفة.
 
وتستهدف التعديلات الدستورية الأخيرة الإصلاح السياسي ولا شيء غير ذلك. من هنا، فهي خطوة على طريق تحسين ملف حقوق الإنسان عامة، بما يتفق والأسس الدولية في هذا الشأن. من جهة أخرى، ومن خلال مشاركاتي الكثيرة في محافل حقوقية دولية، أرصد بكل ارتياح، ارتفاع مستوى صدقية الدولة المصرية داخل المجتمع الدولي. ولست أشك في الإسهام الكبير في هذا الشأن للخطاب الواعي والحكيم الذي يتبعه الرئيس السيسي مع العالم. وهو خطاب، لطالما سمعت من شخصيات كبيرة ذات تأثير في المجتمع الدولي، أنها تجد فيه ثقافة عالية بحقوق الإنسان، وإدراك حقيقي بأهميتها في العلاقات الدولية المعاصرة.
 
* كاتب مصري.