ثقافيه

«ثانوس كان على حق».. هل قتل نصف سكان الأرض هو الحل لمشكلة نقص الموارد؟

 

نهاد زكي

في الجزء الأخير من سلسلة أفلام «Avengers»، والذي كان عنوانه «Infinity War» أو الحرب اللانهائية، نرى شخصية ثانوس – وهو البطل الشرير – يريد الخلاص من نصف سكان الكون. لم تكن رغبة ثانوس نابعة من نوايا شريرة وسيئة كما اعتدنا أن نرى شخصية الأشرار، بل كان هدفه نبيلًا، وهو الحفاظ على الموارد القليلة المتبقية في الكون، وبالتالي يعيش النصف الآخر من سكان العالم حياة أفضل.

أراد ثانوس أن يقتل نصف سكان الكون عشوائيًا ودون تمييز. كان يرى أن فكرته هذه عادلة إلى الدرجة التي جعلته يضحى بابنته الأثيرة من أجل الحصول على واحدٍ من الأحجار السحرية التي تمكنه من فعل ذلك بمجرد فرقعة من أصابعه؛ وعلى الرغم من وصف العالم لمثل هذه الأفكار بـ«الجنون»، إلا أن هناك قاعدة شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي تم تجميعها في الآونة الأخيرة من معجبي ثانوس، يرفعون شعار «ثانوس كان على حق»، ويؤيدون أفكاره؛ فتقول ليل تامبين – وهي إحدى المعجبات – على «تويتر»: «أوافق على ما فعله ثانوس؛ فالأمور ستتحسن إن انخفضت الكثافة السكانية إلى النصف»، وهو ما يؤيدها فيه بول شيلدون قائلًا: «إن فهم الناس ماهية تصرف ثانوس على هذا النحو؛ لوافقوه فيما فعله».

لكن ثانوس لم يكن الوحيد الذي فكر وتصرف على هذا النحو، ففي التاريخ هناك مفكرون وحكومات سعوا لتقليل الكثافة السكانية من أجل الحفاظ على الموارد، حتى أن بعض الحكومات قد شجعت التعقيم القسري لمواطنيهم، وذلك خوفًا من مواجهة مجاعات في المستقبل.

نصف كوكب الأرض خاليًا من البشر
يقول الكاتب كيم ستانلي روبنسون في مقالٍ بصحيفة «الجارديان»: «إن المدن جزء من النظام البشري، تم اختراعها خصيصًا للحفاظ على حياة البشر؛ إذ كان الناس يتجمعون في المدن منذ اختراع الزراعة وأكثر من 10 آلاف سنة، وكانت الزراعة هي المحور الذي جعل فكرة المدينة ممكنة، وذلك من خلال توفير كميات كبيرة من الطعام تكفي لإشباع حشدٍ من الناس على أساس منتظم ومستقر. ولا يمكن للمدن أن تستقر دون مزارع أو مصادر مياه، ويضيف ستانلي أن هناك أكثر من 8 مليار إنسان على وجه الأرض، وهو عدد كبير، وتقريبًا ضعف التعداد السكاني لما كان منذ 50 سنة، وهو ما يشير إلى أن المحيط الحيوي للأرض قد لا يستطيع توفير احتياجات الأشخاص في المستقبل أو استيعاب النفايات والسموم على أساس متجدد على المدى البعيد».

نحن نسرق الأجيال القادمة، نأكل بذور النباتات التي ستشكل طعامهم؛ ونضخ غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو بمعدل سيغير المناخ على نحوٍ خطير في السنوات القادمة، ويضر بالزراعة. *كيم ستانلي روبنسون

يشير ستانلي إلى أننا نستنزف الموارد القابلة للتجديد (المنتجات الزراعية) بحلول شهر أغسطس (آب) من كل عام، وبعد ذلك نقتات على الإمدادات غير المتجددة، ولا يمكن أن يستمر هذا الوضع لسنواتٍ طويلة، بحسب ستانلي الذي يشير إلى أن المستقبل غير معلوم ومن الممكن أن يحمل رخاء سلمي ناتج عن حل جذري لأزمة نقص الموارد، لكنه من الممكن أيضًا أن يتحول إلى مقبرة جماعية تحمل بين طياتها انقراضًا جماعيًا مروعًا.

جزء فارغ من الكرة الأرضية

يكمن الحل لتفادي حالة الانقراض الجماعي التي قد تشهدها الأرض، بحسب ستانلي روبنسون، في كتاب بعنوان «نصف الأرض» للكاتب أو ويلسون، في خطة يمكن أن تعيد لكوكب الأرض حيويته فيما يخص الموارد: وهي أن نفرغ نصف الكوكب من سكانه.

وقد تبدو الفكرة متطرفة بعض الشيء، إلا أن مفهوم «نصف الأرض» يمكن أن يساعدنا؛ فالبشر يغادرون من أماكنهم على الدوام بشكلٍ أو بآخر، وكل ما نحتاج إليه هو توجيه تلك العملية، قائلًا: «اترك حوالي نصف سطح الأرض خاليًا من البشر، بحيث يمكن للنباتات والحيوانات البرية أن تعيش هناك دون عوائق، كما فعلت قبل وقتٍ طويل من وصول البشر، الشيء نفسه بالنسبة إلى المحيطات، ثلث طعامنا يأتي من البحر، ولذلك يجب أن تكون البحار صحية أيضًا».

وعلى الرغم من أن تلك الخطة تبدو مستحيلة، إلا أن الكاتب يظن أن بإمكاننا أن نحققها، باعتبارها حلًا أخيرًا للأزمة، وهو حل يبدو أكثر تمدنًا من الحلول التاريخية لفكرة ازدياد التعداد السكاني ونقص الموارد.

توماس مالتوس وأفكار الحد من الانفجار السكاني
إذا لم يتدارك المجتمع أزمة الزيادة السكانية بما يتناسب مع وفرة المصادر الغذائية، بوضع قيودًا ضرورية وصارمة تجاهها، فإن الطبيعة ستأخذ مجراها من أجل معادلة القوى وإعادة التوازن إلى سطح الأرض، وذلك عبر المجاعات والحروب وتفشي الأمراض. *النظرية المالتوسية

كان توماس روبرت مالتوس باحثًا اقتصاديًا وسياسيًا، من أسرة إنجليزية ميسورة الحال، وقد عمل أستاذًا للتاريخ والاقتصاد عام 1806، ويعتبر من أكثر المنظرين في مسألة السكان، خاصة خلال القرن التاسع عشر؛ إذ شهد العصر الذي عايشه مالتوس تغيرات اجتماعية وسياسية أدى إلى ارتفاع في معدل الزيادة السكانية؛ وذلك لانتشار فكرة أن الشعب كثير العدد يمتلك القوة العسكرية والاقتصادية، وذلك بغض النظر عن الظروف التي يعيشها أفراد هذا الشعب.

خرج مالتوس من رحم بعض الأفكار الاقتصادية الخاطئة، والتي تشير إلى أن التجارة والنظم الاقتصادية القوية هي المدعومة بسياسات حكومية قوية مهيمنة تعمل على تكديس الثروات، أما بالنسبة إلى الفقراء، فلم تكن الأرض سوى مكان للعقاب والتجربة، والفقر جزاء لأنه «إرادة الله»، وقد شجعت الحكومات على زيادة النسل حينذاك؛ إذ كانت زيادة المواليد تعني مزيدًا من القوى العاملة.

وفي عهد مالتوس تغيرت تلك الأفكار والآراء، وشهدت نهايات القرن الثامن عشر، وبدايات القرن التاسع عشر، نقلة فكرية كان لها أثر عميق على النظريات الاجتماعية والاقتصادية، خاصةً تلك الخاصة بالسكان، وكتب مالتوس نظريته الشهيرة عام 1798، بعنوان: «مقال حول مبدأ السكان»، والتي كانت نتيجة لأمرين بديهيين، وهما: الإنسان بحاجة إلى الغذاء، ولا يستطيع أن يتخلى عن العلاقة الجنسية؛ إلا أن الزيادة السكانية التي يشهدها العالم أعظم من قوة الأرض في إنتاج القوت والطعام اللازم لاحتياجات البشر، وإذا لم يعق النمو السكاني عائق قوي وضروري؛ ليتحقق التوازن، فستعمل الطبيعة على إحداث التوازن بنفسها، وذلك من خلال المجاعات والحروب والأمراض.

امرأة تزرع الأرض

استندت نظرية مالتوس إلى المعلومات والبيانات التي كانت متوفرة في عهده بإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، وعلى الرغم من ظهور بعض الانتقادات لنظرية السكان خلال القرن التاسع عشر، وحتى القرن العشرين الذي أعلن موت نظرية مالتوس إكلينيكيًا؛ إلا أنه لم تمر سوى سنوات قليلة، وتم إحياء تلك النظرية عن طريق المالتوسيون الجدد.

كانت «المالتوسية الجديدة» لا تتبع حالات الانفجار السكاني فقط، بل تطرقت إلى الأزمات البيئية، والتي يقع عاتقها على النمو السكاني المتزايد أيضًا؛ مُشيرين إلى أن حالات التلوث التي يشهدها سطح الأرض في العقود الأخيرة سببها الرئيس هو البشر، وسوء استغلالهم للموارد الطبيعية؛ مما يؤدي إلى تدمير الكوكب بشكلٍ لن يصبح معه صالحًا للحياة.

كيف ساهمت «المالتوسية» في عمليات الإبادة الجماعية؟
على الرغم من الانتقاد الشديد للنظرية «المالتوسية»، إلا أن العديد من الحكومات قد اتخذت تقيدات صارمة بخصوص الإنجاب، للحد من النمو السكاني وتجنب نقص موارد الغذاء والمجاعة، كان منها ما هو أكثر اعتدالًا، مثل سياسة الطفل الواحد التي تم تطبيقها في الصين منذ عام 1979 وحتى عام 2016، والتي لا تسمح للأسرة بإنجاب أكثر من طفل واحد، ومنها ما كان أكثر عنفًا مثل معسكرات الحكومة للتعقيم القسري مثلما حدث في الهند؛ فوفقًا لبيانات الأمم المتحدة عام 2013، تم تعقيم أكثر من 35% من النساء الهنديات المتزوجات قسريًا، باعتبارها وسيلةً لتحديد النسل عممتها الهند للحد من النمو السكاني. إلا أن السيناريو الأكثر مأساوية على الإطلاق كان «الإبادة الجماعية» في دولة رواندا.

اتخذت حملة الإبادة الجماعية في رواندا طابعًا عرقيًا؛ إذ قُتل خلال 100 يوم فقط من المذابح الجماعية حوالي 800 ألف شخص في رواندا عام 1994، على يد مجموعة متطرفة من قبائل الهوتو كانوا يستهدفون أقلية التوتسي، بالإضافة إلى بعض الخصوم السياسيين الذين لا ينتمون إلى نفس الأصول العرقية.

أعدّت الميليشيات حينها قوائم قتل، وجرى تصفية خصومهم السياسيين وأسرهم وجيرانهم، وأجبر الأزواج على قتل زوجاتهم المنتميات إلى التوتسي، وأنشأ المتطرفون محطات إذاعية تبث الكراهية وتحث الناس على «قتل الصراصير»، في إشارة إلى التوتسي.

الإبادة الجماعية في رواندا

وعلى الرغم من أن حملة الإبادة الجماعية في رواندا اتخذت منحىً عرقيًا، إلا أن جاريد دايموند في كتابه «كيف تختار المجتمعات النجاح والفشل» قد ربط تلك الحادثة التاريخية والنظرية المالتوسية بخصوص النمو السكاني وتحديد النسل؛ إذ يقول دايموند: إن سكان رواندا كانوا ينتمون إلى مجموعتين: الأولى تسمى «الهوتو» وتشكل 85% من تعداد السكان، والثانية تُسمى «التوتسي»، وتشكل 15%. وقد شغل المجموعتان أدورًا اقتصادية مختلفة؛ إذ كان الهوتو في الأساس مزارعين، والتوتسي رعاة. وقد كانت الحكومات الاستعمارية في القرن التاسع عشر والعشرين يفضلون الحكم من خلال وسيط من التوتسي، الذين شعروا بالتفوق العرقي فوق الهوتو في ذلك الوقت، حتى أنهم قد أضافوا خانة العرق في بطاقات الهوية الشخصية.

بعد استقلال البلاد في ستينات القرن الماضي، بحسب دايموند، أصبحت اليد العليا في قبضة الهوتو، وتمت عمليات قتل وكر وفر على مدار سنوات، استطاع فيها الهوتو السيطرة على البلاد، ومنذ عام 1973 وحتى 1989 ازدهرت رواندا في عهد الجنرال هابياريمانا لمدة 15 عامًا، حتى أنها أصبحت متلقيًا مفضلًا للمعونات الخارجية، لكن لسوء الحظ توقف النمو الاقتصادي في رواندا بسبب الجفاف والمشاكل البيئية، وتوقفت المعونات، وبدأت عام 1990 حرب أهلية ما بين الهوتو والتوتسي؛ نزح على أثرها أكثر من مليون راوندي إلى معسكرات استيطانية. وفي عام 1993 كان هناك اتفاق سلام بشرط وجود حكومة متعددة القوى وتقاسم السلطة بين الفريقين.

بحسب دايموند، كانت مستوطنات النازحين بيئة خصبة لاستقطاب الشباب وتنمية الفكر المتطرف للهوتو، الذين استغلوا فرصة السلام، ودرّبوا مليشياتهم واستوردوا الأسلحة استعدادًا لإبادة التوتسي. وفي يوم 6 أبريل (نيسان) من عام 1994، أطلقت المليشيات المسلحة للهوتو صواريخًا أسقطت الطائرة الرئاسية، والتي كان يستقلها الجنرال هابياريمانا، وفي غضون ساعات من سقوط الطائرة تم تنفيذ مخطط الإبادة.

يقول دايموند عن ذلك: «لم تكن تلك الإبادة الجماعية نتيجة فورة غضب لا يمكن السيطرة عليها من قبل شعب استهلكته الكراهية، بل كان مخططًا بالغ الدقة، وخيارًا متعمدًا لنخبة جديدة عززت الشعور بالكراهية والخوف، لتحافظ على بقائها في السلطة، وقد وضعت تلك المجموعة الأغلبية في مواجهة الأقلية داخل رواندا، لتضمن النجاح في ساحة المعركة وعلى مائدة المفاوضات».

بحسب جاريد دايموند، كان هناك سببًا آخر يختلف عن الطائفية العرقية قد أدى إلى اندلاع النزاع بين الفريقين، فيشير إلى أن رواندا قد عانت قبل الاستقلال من الزيادة السكانية، والتي استمرت لما بعد الاستقلال عام 1962، إلا أنها لم تستطع أن تواكب هذه الزيادة من الناحية الإنتاجية للطعام؛ إذ كانت النظم الزراعية في البلاد تقليدية، ولم يجر تطويرها. وعندما توفي الكثير من التوتسي في الستينات أثناء النزاعات السابقة، أدى توافر أراضيهم عام 1973، والتي استولى عليها الهوتو إلى حالة من الرخاء، كانت نتيجتها الرغبة في الاستيلاء على مزيد من الأراضي، وأن يكون لكل مواطن من الهوتو نصيب من الأرض يمكنه من إطعام عائلته ونفسه بشكلٍ مريح.

يقول دايموند في كتابه: «هذه بالضبط هي المعضلة المالتوسية، فالمزيد من الطعام يعني مزيدًا من الحياة المتاحة للبشر، كما تعني قلة الموارد قصف الحيوات».