بسام ابو شريف
يرى كثيرون أن نضال الدكتور جورج حبش الوطني والقومي كان عبارة عن اضافات كمية لنضال شعبه ، خاصة الشعوب العربية في شمال ووسط وجنوب العالم العربي . وتزهو ميادين العمل القومي العربيبأسماء ساهمت مساهمات جذرية في نهوض الأمة العربية .
وعلى سبيل المثال نذكر العلامة قسطنطين زريق الذي أغنى الأبحاث في الفكر القومي العربي نظريا ، وأسس العروة الوثقى كأول تجمع للشباب المؤمن بالقومية العربية في الجامعة تأميركية ، في بيروت ، ونذكر القائد القومي الفذ ميشيل عفلق ، الذي أسس حزب البعث العربي ، مضيفا شرط بناء الأداة التنظيمية لدفع النهوض العربي للأمام على طريق الوحدة العربية .
وعلينا دائما ألا ننسى أن القائد الفذ والرؤية الصائبة ، انطون سعادة ، كان أول من نبه الى المخطط الصهيوني ، وركز على وحدة سوريا الطبيعية ” بلاد الشام ” ،كخطوة وحدوية ضرورية لمواجهة الهيمنة الصهيونية ، وحدد بوضوح شرط بناء التنظيم وتأسيس ذراعه المسلح ” الزوبعة ” , جورج حبش أبحر في محيط هائج بحثا عن استراتيجية مواجهة المعتدين على العرب وأرضهم ، ولم يستنفر تماما الا عندما بدأ الصهاينة بالتهام الأرض العربية في فلسطين .
كانت الغزوة الصهيونية صاعقا أشعل في قلب وعقل الدكتور جورج حبش ” ولم يكن قد أصبح طبيبا حينها ” الرغبة في التصدي والدفاع عن النفس . والدفاع عن النفس كان يعني الدفاع عن الشعب الفلسطيني ، وتتطور ليصبح الدفاع عن الأمة العربية .
ولاشك أن الشاب جورج حبش انكب على دراسة تجارب الشعوب الأخرى ، ومنها تجربة بروز الكيانات على أسس قومية في اوروبا – تجربة غاريبالدي ووحدة ايطاليا ، تجربة اسبانيا ووحدة اسبانيا … وهكذا .لكن تلك الحركات القومية كانت فاشية ، وتحولت الى استعمارية ، فكانت الحركات القومية الأوروبية في سباق لاستعمار الدول أو الشعوب المتخلفة .
لقد بذل المفكرون القوميون العرب جهدا خلاقا في تأسيس وترسيخ الفكر القومي العربي .
وساهم كل منهم مساهمة تأسيسية هامة ، ويعود جهد هؤلاء الى سنوات الاحتلال التركي ، الذي استخدم راية الاسلام لسحق الشخصية القومية العربية ، وشرع في التطبيق القسري للتتريك ، أي احلال اللغة التركية كلغة أساسية للعرب ، وارتكب مجازر في مدن وبلدان عربية كثيرة ، ورغم أن التجنيد في الجيش التركي كان اجباريا وأضطرر العرب لأداء الخدمة العسكرية فان قيادة الجيش العثماني ، كانت تنفذ عقوبة الاعدام بالضباط العرب لأتفه الأسباب ،لكن مساهمة جورج حبش برزت في ميدانين استراتيجيين من ميادين العمل القومي العربي وهما : الميدان الأول – الهوية التحررية للحركة القومية العربية، والميدان الاستراتيجي الثاني كان تحديد الكفاح الشعبي المسلح يشق من خلاله العرب الطريق لوحدتهم ، وحريتهم ، وحقهم الطبيعي في تقرير المصير والاستقلال الاقتصادي والسياسي والجغرافي ، وبطبيعة الحال كانت فلسطين صلب النضال والعنوان الرئيسي للتحرر الوطني والقومي ، وأبرز الدكتور جورج حبش للعالم هذه الهوية التحررية ، وأصبحت حرب الشعب للتحرر في العالم العربي هي بمصاف حرب الشعب لتحرر الصين وفيتنام وكوبا.
وأظهر ذلك الفارق بين الحركات القومية التي برزت في اوروبا ، وكان جوهرها التعصب اليميني والصراع بينها و”التنافس″ على استعمار بلدان وشعوب العالم الثالث.
واستنادا لهذا الفهم لحركة التحرر العربي وموقعها في خريطة الصراع الدائر في العالم بين القوى الاستعمارية وقوى التحرر خاض الدكتور جورج حبش منذ تأسيس حركة القوميين العرب كفاحا سياسيا وعسكريا ضد معسكر أعداء الأمة العربية والذي كان تحديد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تحديدا واضحا له.
الاستعمار القديم والجديد والحركة الصهيونية وكيانها الذي زرعته القوى الاستعمارية كأداة لها، اسرائيل والرجعية العربية.
ونحن نرى اليوم تجليات هذا الحلف، فأطراف الحلف تجهر بتحالفها ، فالعلاقات التي كانت سرية الطابع بين دول تحكمها أسر عينها الاستعمار البريطاني وثبتتها الامبريالية الأميركية تعلن تحالفها مع اسرائيل وتجهر بذلك.
ولا شك أن المواجهة والتصدي والكفاح الشعبي العربي هو الرد تماما كما نادت به الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقائدها الذي رحل جسدا وبقي حيامعنا فكرا وممارسة ، نؤدي لك التحية يا حكيم ، فقد علمتنا الكثير وعلى هدي الوضوح في الرؤية نسير ونكمل المشوار ، وستكمل من بعدنا أجيال أمتنا معاركها وتنتزع الحرية ، وتقيم دولة الوحدة بعد أن نطرد الغزاة ، وندحر قواهم الهمجية من بلادنا .