مقالات

حدود «روسية – تركية» جديدة في إدلب

 
أوليغ موسكفين *
 
 
يلف الغموض مكاسب روسيا من إلغاء الهجوم على إدلب. فهل المكاسب هذه مالية فحسب وتُحصّل من طريق تشريع أبواب السوق التركية أمام السلع الروسية أم روحية: وقف مساعي البطريرك بارثولوميو إلى فصل الكنيسة الأوكرانية عن الكنيسة الروسية الأورثوذكسية؟ قررت روسيا وتركيا إرساء منطقة منزوعة السلاح في إدلب، وأجمعتا على تقسيم دوائر مصالح كل منهما هناك، في وقت كانت الحملة العسكرية الكبيرة متوقعة بين يوم وآخر. ودرجت روسيا يومياً على إعلان أخبار عن إعداد «الخوذ البيض» لاستفزاز كيماوي في إدلب. وموقع المنطقة المنزوعة السلاح المحدد، أي الحدود الروسية– التركية، لم يعلن عنه بعد.
 
 
والحق أن بيان بوتين عن إدلب تضمن ملاحظة اقتصادية غير متصلة بالحرب السورية. فهو قال: «…في المقابل نحن نعول على تيسير وصول السلع الروسية إلى السوق التركية». ويرى سايمون باغداساروف، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، أن هذه المقايضة الاقتصادية– العسكرية في محلها. ولكن باغداساروف يرجح أن بوتين طلب من الأتراك التأثير في البطريرك بارثولوميو وحثه على العدول عن الاستقلال عن الكنيسة الروسية. وعلى قوله، نفوذ تركيا على بارثولوميو كبير، فالاستخبارات التركية الخاصة قادرة على التأثير فيه. أما المستشرق أنطون مارداسوف، فيقول إن الاتفاق يقضي بتنظيم دوريات روسية وتركية على طول خط «أم-5» الرابط بين حلب واللاذقية. فعلى خطوط التماس في إدلب، تقف القوات التركية، وليس متطرفو هيئة تحرير الشام، مقابل قوات الأسد. ولكن الخبير هذا يقول إن المنطقة المنزوعة السلاح لن تدور عجلتها من دون مشكلات. فـ «الأسلحة الحديثة قد تستخدم في إطلاق النار على المنطقة المنزوعة السلاح»، يقول مارداسوف. ولا يستبعد الخبراء ألا يكون المتطرفون فحسب من يبادر إلى انتهاك الاتفاق بل أن ينتهكه كذلك الحرس القديم في حكومة بشار الأسد. فمصلحة القوات الحكومية تقضي بحملة عسكرية بطيئة على إدلب في المستقبل. ولا شك في أن دمشق لن تستفيد، على الأغلب، من تجميد الأمر الواقع في «محمية» إدلب، على رغم أنه (التجميد) يصب في مصلحتها موقتاً كوسيلة ضغط على السوريين الأكراد، وهؤلاء يخشون أن يضطروا إلى القتال على جبهتين: ضد الأتراك وضد قوات الأسد. ويخلص مارداسوف إلى أن صبر دمشق لن يطول على الأرجح.
 
وليس من قبيل الصدفة أن يلي إعلانُ الرئيس التركي تجنيب الاتفاق إدلب مأساة إنسانية، كلامَه عن الأكراد. فهو قال إن الأراضي الواقعة في قبضة الإرهابيين لا تقتصر على إدلب، وإن الخطر البارز في سورية مصدره القوات الكردية.
 
ويرى مارداسوف أن قرار الحفاظ على البؤرة السنية في إدلب ودمجها المتدرج من طريق التفاعل مع قوات النظام هو خطوة ذكية. والبديل عنها هو حمام دم كبير في المحافظة. فالحملة العسكرية قد تؤدي، إلى الدمار الكبير، إلى اندماج المتطرفين بالمعارضة المعتدلة ورص صفوفهم في مواجهة الهجوم. والحملة العسكرية على إدلب باهظة الكلفة.