مقالات

حقائق غربية حول الاتفاق النووي: أين تكمن مصلحة الأمن الاستراتيجي الأوروبي؟

 
بقلم : محمد علي جعفر
 
تُظهر المحادثات الجارية داخل أروقة الاتحاد الأوروبي عن سجال عميق حاصلٍ بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية حول مستقبل الاتفاق النووي مع إيران. فعلى الرغم من محاولة الدول الأوروبية لعب دور الوسيط بين الطرفين ساعيةً لإرضاء واشنطن دون المسِّ بالخطوط الحمراء الإيرانية، بدا واضحاً وجود اختلافٍ في مقاربة الملف، يتخطى الخلاف حول وجهات النظر الى التناقض في المصالح. في حين ساهمت سياسة دونالد ترامب الخارجية في تشكيل جبهة أمريكية داخلية ضده قد تكون أقرب الى تفهُّم وجهات النظر الأوروبية في هذ الموضوع. فأين تكمن المصلحة الأوروبية في الحفاظ على الاتفاق النووي؟ وكيف يتعلق ذلك بالأمن الاستراتيجي الأوروبي؟
 
هدف اللقاء الأخير الذي جمع وزراء خارجية بعض الدول الأوروبية مع نظيرهم الإيراني، الى تسجيل موقف أوروبي داعم لاتفاق إيران مع مجموعة 5+1 والموقّع عام 2015. كما ظهرت محاولة الدول الغربية جسّ نبض طهران حول إمكانية إجراء تحديث لهذا الاتفاق بما قد يُساهم في التقليل من هواجس الإدارة الأميركية الحالية. في حين كان واضحاً وجود أولويات جامعة لهذه الدول قد تُعبِّر عن سبب الاختلاف في مقاربة هذا الملف مع الإدارة الأمريكية الحالية.
 
يَعتبر الغرب أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع إيران يُعد نجاحاً للغة التفاوض والتفاهمات
 
أين تكمن المصلحة الأوروبية؟
 
عدة مسائل تشرح المصلحة الأوروبية في حماية الاتفاق النووي نُشير إليها باختصار فيما يلي:
 
أولاً: في المبدأ يَعتبر الغرب أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع إيران هو نموذج في ظل مساعي منع انتشار الأسلحة النووية. كما يُعد نجاحاً للغة التفاوض والتفاهمات، والتي شكّل التفاهم النووي إثباتاً لكونها فرضية ممكنة لحلّ القضايا الخلافية. وبالتالي فإن خروج واشنطن من الاتفاق يعني إغلاق باب التفاوض والذهاب للتصعيد في قضايا الخلاف الإقليمية والدولية، بحسب وجهة النظر الأوروبية.
 
ثانياً: تَعتبر الدول الأوروبية أن مجرد النقاش في تعديل الاتفاق النووي يعني عودةً الى الوراء. وهو ما لا تُراعيه سياسة واشنطن البراغماتية والتي تُدرك أن التراجع عن الاتفاق يعني التراجع عن كل ما ترتَّب عنه من تفاهمات على الصعيد السياسي. وهنا تبرز قوة الموقف الإيراني.
 
ثالثاً: تَجد الدول الأوروبية أن النتائج الحقيقية لهذا الاتفاق استندت الى جهد أميركي أوروبي مُشترك أدى إلى تسهيل التوصل إلى هذا الإتفاق. ما يعني أن خروج أمريكا منه يُهدد مبدأ الشراكة الأوروبية الأمريكية التي عزَّزها الاتفاق. الأمر الذي تحتاج إليه الدول الأوروبية في مواجهة التحديات الدولية لا سيما في ظل اختلاف المصالح بين واشنطن والدول الأوروبية. إن حماية الاتفاق تعني ترسيخاً لهذه الشراكة.
 
رابعاً: ترى الدول الأوربية أن المصلحة الأوروبية تتطلَّب عدم التماشي مع الموقف الأمريكي. حيث أن منطقة غرب آسيا تُشكّل في موقعها أهمية للدول الأوروبية وهو ما يرتبط بالجغرافيا السياسية؛ الأمر الذي يختلف بالنسبة لواشنطن. مما يجعل معادلة الأمن في غرب آسيا أو ما يُصطلح عليه بمنطقة الشرق الأوسط، ضرورة لضمان الأمن الاستراتيجي لأوروبا.
 
يبدو واضحاً من خلال ما تقدم، أن الاختلاف بين الدول الغربية حول الاتفاق النووي يتخطى وجهات النظر الى المصالح الاستراتيجية. ففي وقتٍ تتمتع السياسة الأوروبية بشيء من الرصانة والثبات تجاه الملفات الدولية، أسقطت الإدارة الأمريكية الحالية هيبة واشنطن في سياستها الخارجية، ما ساهم فيه أيضاً التراكم التاريخي لنتائج البراغماتية الأمريكية فيما يخص السياسة الدولية. بالإضافة الى هذا الاختلاف فإن ضعف الدول الأوروبية أمام الطرف الأمريكي يجعلها مُضطرة للتمسك بكل ما قد يُساهم في تثبيت الشراكة الأوروبية الأمريكية في محاولة لربط المصالح بين أوروبا وواشنطن وهو ما لا يبدو أن أمريكا تُعيره أي اهتمام. من جهة أخرى، باتت تُشكل سياسة واشنطن لا سيما الحالية خطراً بنيوياً على مصالح الدول الأوروبية وأمنها الإستراتيجي. وهو ما ينتج عن عدم مراعاة أمريكا لمصالح حلفائها المُتمثلة بأهمية الإستقرار في غرب آسيا، ومِضيِّها – أي واشنطن – في سياساتٍ تُعبِّر عن عدم قدرة واشنطن على الخروج من عقلية القطب الواحد في إدارة الشؤون الدولية، ناهيك عن حجم التخبُّظ الذي يعيشه العقل الأمريكي في عهد رئيسٍ لم يَجلب سوى العار للتاريخ السياسي الأمريكي. إن هذه الحقائق، تُعبِّر عن بعض وجهة النظر الأوروبية لملف الاتفاق النووي والعلاقة مع إيران، وأهمية حمايته وما يعنيه ذلك دولياً. كُل ذلك ولم نتطرَّق بعد، حول ذكاء العقل الإيراني في إدارته لهذا الملف! .