مصطفى ذكري
هل مُغَامَرَة قرار استفزاز سويسرا، ودفعها إلى استفتاء وطني انتقامي، كان بإجماع دول الاتحاد؟ هل دول مثل إستونيا ولتوانيا ولاتفيا وسلوفينيا وكرواتيا واليونان ورومانيا والبرتغال، لها رأي في هذا القرار؟ هددتْ دوريس لويتهارد رئيسة سويسرا، يوم الأحد الماضي، بإجراء استفتاء، لتوضيح طبيعة علاقة بلادها بالاتحاد الأوروبي، بعد أن سمح الاتحاد الأوروبي، بتعاملات محدودة للبورصة السويسرية، مع كتلة دوله. أصبحتْ كلمة الاستفتاء، هي بُعْبُع الاتحاد الأوروبي، بسبب ذكرى البريكست البغيضة، ومحادثات البريكست المتعثرة. المضحك أن سويسراً ليستْ عضواً في الاتحاد الأوروبي إلا أن الوقع النفسي لكلمة الاستفتاء، يُثير مشاعر الإحباط والخيبة عند الاتحاد الأوروبي. كأنَّ الاتحاد الأوروبي يعرف أنه لن يُحَصِّل من بريطانيا فاتورة خروجها، فأخذ يُجرِّب أساليب البلطجة البريطانية، على دول أخرى، كنوع من التعويض المادي. يريد الاتحاد فرض مُعاهدة عمل جديدة على سويسرا، تحل محل 100 اتفاق راسخ، يُنظِّم علاقاته مع سويسرا، أي أن الاتحاد الأوروبي يريد اختراع العجلة من جديد في كل ما يخص دولة سويسرا، وكأنها دولة حديثة العهد، حديثة الاستقلال، وجدها فجأةً أمامه. ما قدرش على الحمار البريطاني، ها يقدر على البردعة السويسرية. من ناحية أخرى أكثر تعقيداً، يُعتبر التهديد السويسري بالاستفتاء، لا يُجانب المنطق، لأن سياسات العولمة شديدة التشابك والارتباط، لا تترك فعلياً على أرض الواقع، دولةً أوروبية، خارج الاتحاد الأوروبي، ف 100 اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا، يعني في حقيقة الأمر، أن سويسرا داخل كتلة الاتحاد الأوروبي، ويعني أيضاً أن الاتحاد الأوروبي، بوضعه معاهدة بديلة، تكنس ال 100 اتفاق، هو نفسه، مَنْ يدفع سويسرا إلى كابوس إجراء الاستفتاء. دبور زنْ على خراب عِشُّه.
وفي وسط التهديد السويسري، تقول الرئيسة دوريس لويتهارد، دون أن تعني هذا موضوعياً: أحرزتْ المحادثات مع الاتحاد الأوروبي، الشهر الماضي، بعض التقدم، ووافقتْ سويسرا من حيث المبدأ على زيادة مساهمتها في ميزانية الاتحاد إلا أن المُوَافَقَة تحتاج إلى عمل ثنائي شاق بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا. ما تقدمه باليد اليمنى، تسحبه باليد اليسرى. وإذا كانت سويسرا التي هي خارج الاتحاد الأوروبي، ستُساهم في ميزانية الاتحاد، فلا بد من أن تكون تلك المُسَاهَمَة، هي مُسَاهَمَة رمزية، مُقَارَنَةً بمساهمات دول الاتحاد نفسه، أي أن المُسَاهَمَة الرمزية الهزيلة، تطمع سويسرا في منعها عن الاتحاد الأوروبي، والمنع يكون بتهديد الاستفتاء. تقول الرئيسة دوريس لويتهارد: علينا أن نعرف في أي اتجاه نسير. فقدان اتجاه السير ليس بالأمر الهين لسياسات المال بين الدول، على وجه الخصوص عندما يُعْلن فجأةً، هل يعني هذا أن الاتحاد الأوروبي وسويسرا كانا على الطريق الصحيح قبل ذلك؟ أو كانا على الطريق الصحيح، يعرفان الاتجاهات، قبل البريكست البريطاني، والآن فقدا اتجاه الطريق معاً بعد البريكست؟
هناك تفصيلة بخصوص رئيسة سويسرا السيدة دوريس لويتهارد، وهي أنها ستترك منصب الرئاسة في نهاية العام الحالي، وحتى كتابة هذه السطور، لم يبق على العام الحالي 2017، سوى أيام قليلة، أي أنها ستترك المُعْضِلة الشائكة، لحزب الشعب السويسري، المناهض للاتحاد الأوروبي، وهو أكبر تكتل في البرلمان السويسري، ولهذا على الاتحاد الأوروبي، أن يخوض النقاش مجدداً. ترى سويسرا بشكل عام أن تبنيها لقوانين الاتحاد الأوروبي ليس حباً في عيونه الزرقاء، ولكن مقابل حرية أكبر لدخول السوق الأوروبية الموحدة، وهو أمر هام للصادرات السويسرية. فإذا ضيَّق الاتحاد الأوروبي على صادرات سويسرا، فهناك الهند والصين جاهزتان، لفتح سوق عملاق أمام سويسرا، وهذا قد لا يترك الاتحاد الأوروبي سعيداً. بمعنى ما ملتو، يسعى الاتحاد الأوروبي بظلفه الغليظ، إلى بريكست آخر مع سويسرا، دون قصد منه، كما سعتْ بريطانيا بعجرفة وغرور، إلى التهويش باستفتاء البريكست، لكسب امتيازات مُضَاعَفَة من الاتحاد الأوروبي، وكانت النتيجة هي وقوع الفأس في الرأس. جاءتْ في كلمات دوريس لويتهارد رئيسة سويسرا، كلمة الانتقام.
الاستفتاء الوطني السويسري على طريقة التعامل المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، يُعتبر انتقاماً من الاتحاد الأوروبي نفسه. والسؤال الآن هو، هل مُغَامَرَة قرار استفزاز سويسرا، ودفعها إلى استفتاء وطني انتقامي، كان بإجماع دول الاتحاد؟ هل دول مثل إستونيا ولتوانيا ولاتفيا وسلوفينيا وكرواتيا واليونان ورومانيا والبرتغال، لها رأي في هذا القرار؟ أم أن القرار كله في يد ألمانيا التي تنفق على الاتحاد الأوروبي الكسيح؟ علمتنا العولمة أن ديموقراطيتها الشمولية، في يد مَنْ يملك المال، ومَنْ يملك المال، المُحرك للسياسات، جد قليل، ولا يظهر على سطح الواقع، بل تقوم الدول بتبليغ رسالته، ولهذا تبدو الحماقات مُفاجئة.